أعتقد أن مشكلة العزيز "إنكي" في الرد على هذا الموضوع، هي أنه يتصور أمر ما معين غير موجود فعلياً، يتصور فكراً لدى محاوريه لم يفكروه، وأقوالاً لم يتقولوها، ثم يرد على هذا الأساس، فيعتقد أن من يحاوره بعثي عفلقي حصري. كما أن أحداً لم يقل في هذا الموضوع، من المنافحين عن العروبة، أن القومية العربية كأيدولوجيا كانت موجودة في غابر العصور والدهور، بل تحدث القوم عن "نزعة قومية"، وبداءات عروبية، والمثير للاهتمام أنه بمعرض فهمه للعروبة يذهب بنا لترجمتها الإنكليزية، وكأن العرب ترجموا الكلمة من الإنكليزية أساساً، أو كأنها مصطلح علمي استنبطه أو نحته العرب في أحد مجامع لغتهم في القرن العشرين.

أخيراً، ورفداً لما جاء في ردود الأعزاء العلماني وخوليو، أضيف أن الشاعر القروي رشيد سليم الخوري، من شعراء المهجر، كان من المدافعين أيضاً عن العروبة التي وردت في أشعاره كمفهوم ناضج عن القومية العربية التي تنحي الدين وتنازع المذاهب لصالح القومية بشكلها الحديث. فمن أشعاره مثلاً:

بلادك قدِّمها على كـلِّ ملَّـة *** ومن أجلها أَفطِر ومن أجلها صُمِ!
فما مسَّ هذا الصوم أكبادَ ظلَّمٍ *** ولا هزَّ هذا الفـطرُ أرواح نـوَّمِ
هبونيَ عيداً يجعل العُربَ أمَّـةً *** وسيروا بجثماني على دين بَرهمِ!!
فقد مزَّقت هذي المذاهب شملنا *** وقد حطمتنا بين نابٍ ومنسمِ
سلامٌ على كفرٍ يوحِّد بينــنا *** وأهلاً وسهلاً بعـده بجهـنَّم

وأيضاً:

أرضيتُ أحمدَ والمسيحَ بثورتي *** وحماستي، وتسامحي وحناني
يا مسلمون ويا نصارى دينكم *** دينُ العروبةِ واحدٌ لا اثنـانِ


بالطبع هذه ليست منظومة فكرية متكاملة، بل صفحة فكرية وشعرية وثقافية تؤكد وجود دفع وتأثير عروبي النزعة عميق في المجتمعات العربية، وأن الفكر القومي العربي لم يكن بدأة أو طفرة أو حالة مصطنعة أوجدتها هذه القوة العالمية أو تلك.

خالص تحياتي.