الأسوأ بعد القمة العربية لا قبلها؟

تعتقد جهات سياسية لبنانية ان سوريا بشار الاسد تريد ان تنعقد القمة العربية الموسعة في دمشق يوم التاسع والعشرين من آذار المقبل كما هو مقرر. وتعتقد ايضاً انها في حاجة الى انعقادها بنصابها الكامل وعلى مستوى الملوك والرؤساء لأن من شأن ذلك ازالة الانطباع المتكوّن عند الرأي العام داخلها كما عند الرأيين العامين العربي والدولي انها تعيش وسط عزلة عربية واسعة قد تصبح خانقة. وتعتقد تاليا ان هذه الحاجة لا بد ان تدفعها الى التجاوب مع "المطالب" اللبنانية لعدد من الدول العربية وفي مقدمها مصر والمملكة العربية السعودية والتي تركز في معظمها على قيام دمشق بما يلزم مع حلفائها في لبنان لتسهيل ملء الفراغ الرئاسي بانتخاب رئيس جديد للجمهورية وتسهيل توصل فريقي 8 آذار و14 آذار الى تسوية سياسية انطلاقاً من قاعدة لا غالب ولا مغلوب والتخلي عن محاولة زعزعة الامن في لبنان بغية تحقيق غايات ومآرب سياسية لا تتفق كثيراً مع سيادة لبنان واستقلاله ونظامه الديموقراطي. وتعتقد الجهات اياها ان تحديد الرابع والعشرين من شباط الجاري موعداً لاجتماع رباعي في بيروت بين الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى والنائب العماد ميشال عون والرئيس السابق امين الجميل والنائب سعد الحريري يعاود فيه استئناف الحوار لتسوية الازمة الراهنة وان مجيء مساعد الامين العام الى بيروت للإعداد لهذا الاجتماع وتوقع وصوله الى بيروت قريباً جداً - تعتقد ان كل ذلك يدل على ان الامل في التوصل الى تسوية لبنانية مستندة الى تفاهم عربي لا يزال قائماً.
هل هذا الإعتقاد في محله؟
المعطيات والمعلومات المتوافرة حتى الآن لدى كثيرين من متابعي الإعداد للقمة العربية لا ترى ان هذا الاعتقاد في محله ذلك رغم اعتقاد هؤلاء ان انتخاب الرئيس اللبناني اما يحصل قبل القمة العربية او يتأخر كثيراً في حال انعقدت في موعدها قبل حصوله. والاشارات الى ذلك كثيرة. منها نشر وسائل الإعلام العربية في الايام الاخيرة اخباراً تفيد ان العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز والرئيس المصري حسني مبارك لن يحضرا القمة شخصياً وانهما سيتمثلان بوفدين متوسطي المستوى او ادنى، علما ان اياً من المسؤولين في هاتين الدولتين لم ينفِ هذه الاخبار. ومنها اعلان اكثر من جهة حزبية ورسمية لبنانية وغير لبنانية ان المملكة العربية السعودية قررت دفع قسم من المبالغ المالية المتوجبة للمحكمة ذات الطابع الدولي المخصصة للنظر في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وذلك رغبة في الاسراع في قيامها ومباشرتها عملها وذلك بعدما كان نقص التمويل عاملاً معطّلاً او مؤخّراً. ومعروف ان سوريا بشار الاسد لا تنظر بارتياح الى المحكمة ولا الى كل الذين يسهلون قيامها اشخاصاً كانوا ام دولا. ومنها اقدام وزارة الخارجية السعودية على نصح مواطنيها بعدم السفر الى لبنان حرصاً على سلامتهم، وطلبها من الذين يقيمون فيه توخي الحيطة والحذر. وذلك يعني ان المملكة تخشى تدهور الوضع الامني في لبنان، ومن شأن ذلك ليس تشكيل خطر على المواطنين السعوديين فقط بل طي صفحة الانتخابات الرئاسية ايضاً ودفع لبنان نحو المجهول. ويعني ايضاً اعترافاً منها، وإن غير مباشر، بأن مواطنيها قد يستهدفون من بعض اطراف الصراع في لبنان كونهم سعوديين. وفي ذلك اعتراف واضح، وان مداورة، بتردي العلاقات بين المملكة وهذا "البعض اللبناني" وكذلك حلفائه الاقليميين.
ماذا عن القمة العربية في ظل كل ذلك والوضع الداخلي اللبناني؟
المتابعون الكثيرون للقمة العربية وللوضع اللبناني اياهم يقولون ان سوريا بشار الاسد لا تزال غير مستعدة لـ"التنازل" في لبنان او التساهل فيه او في غيره من الموضوعات من اجل تأمين انعقاد قمة موسعة يحضرها كل الملوك والرؤساء العرب. وهي تعرف ان هذه القمة ستنعقد في النهاية وان دولا عربية مهمة ستتمثل بوفود رسمية ذات مستوى متدن ومنها السعودية لانها بصفتها رئيسة للقمة العربية مضطرة الى تسليم سوريا هذه الرئاسة في 29 آذار المقبل. وما يهمها في هذا المجال هو ان تصبح رئيسة للقمة والعمل العربي المشترك خلال سنة كاملة. ومن شأن ذلك ان يساعدها على العمل لكسر طوق عزلتها العربية. اما الوضع اللبناني فانه رغم ترديه قد يصبح اكثر تردياً بعد انتهاء القمة العربية. ولا بد ان ينعكس ذلك على الشارع اللبناني بل الشوارع اللبنانية. ذلك ان تصفية الحسابات العربية – العربية ستتفاقم على الساحة اللبنانية وخصوصاً في ظل توجيه سوريا اتهامات الى دول عربية معينة بالعمل لزعزعة امنها واستقرارها وفي ظل اتهام هذه الدول لها باستهداف امنها واستقرارها ايضاً. وهنا لا يعود كافياً الموقف الصادق لجهات اقليمية مهمة مثل السعودية وايران الرافض للحرب المذهبية في لبنان والحاض للجهات اللبنانية الحليفة لها على عدم الوقوع في شركها. ذلك ان حادثاً "عفويا" كبيراً او متعمداً من جهة اقليمية ما لا بد ان يطلق عنان الغرائز فيصبح الضبط صعباً ومتعذراً. ولا احد يعرف اذذاك الانعكاسات ليس فقط على الارض والمواطنين بل على المؤسسات وخصوصاً الامنية والعسكرية