{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
أسود .. أبيض
سمير الفيل غير متصل
عضو مشارك
**

المشاركات: 46
الانضمام: Sep 2007
مشاركة: #1
أسود .. أبيض

أسود .. أبيض

(1)
أن تسير تحت الأفريز ، بمحاذاة الخط الفاصل بين الظل والنور . أن تحدق في البنات السائرات في نهر الشارع بعينين كسولتين . أن تخفي ما حك صدرك من هلاوس وظنون . أن تكتم سعال صدرك المسلول متعاليا فوق الآلام التي توشك أن تمزق رئتيك . ترفع كفك اليمنى لتمسح خيط العرق المالح الذي ينزلق تحت عدسة نظارتك الطبية السميكة .
ذلك معناه أنك في الوضع الآمن . فما الحياة إلا مهزلة ، وما كتاباتك بالقلم الرصاص الرفيع إلا بوح لن يراه غيرك.

(2)
تلك حقبتك ، وأنت الواحد المجنون بهذيانك المرير . هل قد قلبها من حجر صوان أم أنها حين بك وشت لخصمك كانت تتقي غدرك المتوقع ، تود أن تحطم خصومك ، ولا تمتلك سلطانا ولا نفوذا.
هل جاءت نوبة البطش أم أنها انبثاقات متفجرة صغيرة تخلصك من انشطار ذاتك المعذبة بيين الضمير المتيقظ وبين عقلك الذي ذهب ، وأنت أسير ذهبك ومرجانك وأحجارك الكريمة التي غطتك حتى الذقن ، فبانت حركتك مقيدة : يداك مغلولتان ، فبصرك اليوم حديد .

(3)
من دواعي هزيمتك أنها بطشت بك فيما كنت تعيش أيامك تحت شمس الخليج ، تجمع المال ، وترسله حوالات بريدية ، والورق الأخضر يروح إليها ، وما تفتأ تحدق في البؤبؤ ، ممعنة النظر لوجه الرجل المتجهم بشعره المستعار ، المصفوف في عناية في بلاد بعيدة.
أنت بعيد ، وهي قريبة بل لصيقة القلب . تكفيك منها مكالمة ما بعد الساعة الحادية عشرة مساء . تسقط الريالات الفضية في الآلة ، وتستمع إلى لهاثها آتيا من أعماق الأرض ، تستزيدها أن تتكلم . لم تكن تعرف أيها المغدور أن اللغة خدعة ، وأنك لست المخدوع الأول ولن تكون الأخير طالما الأنثى غزالة اسكندراني . تلهو في مراعي خارج مضارب القبيلة.

(4)
للبيت رب يحميه ، وللسيدة ناظلة عشيق يغريها بالعين والحاجب . عرفت أنها لم تمسس مالك ، وما فرطت في جسدها ، لكنها منحت الروح راضية مرضية لهذا الشخص الضخم ذي الصوت المختنق ، الذي حول لها البحر طحينة ، وأغراها بمعسول الكلام أن اليوم خمر وغدا أمر .
وبالضاد ضعضع سكينة فؤادك . اخترق غرفة نومك دون أن يدخلها ، وأمسك خصلة شعرها وألصقها بصدغه . لقد شق الجدار ، ورقق القلب البريء ، وما لبث أن حطم أحلامك فصرت أضحوكة كل حي يسكن ذلك الحي الذي حرمته على نفسك .

(5)
لم تكن خطيئتك ، ولا خطيئتها ، وأنت اليوم تتسلل إلى ركن المقهى لتتناول المبسم الشيشة وتضعه بين شفتيك ، فينعقد الدخان حلقات تعلو رأسك المنشغل بترتيبات العودة المظفرة فإذا بالدخان نفسه يتسلل إلى الرئتين المعطوبتين ، فما الدم الذي صبغ منديلك إلا التجلي الأكثر إرهاقا لموتك الذي تستعجله الآن .
من قال لهم أن ينقذوك ؟؟ ، ويغسلوا معدتك بالمحاليل ، ويخلصوها من السموم . السم قد سكن نفسك قبل كل شيء وصار "مسا " أطاح بعقلك فخلعت نعليك ، ودست الجمر دون أن يحترق جلد قدميك . كنت فقط تعوي كالذئب وخصمك ينظر إليك من نفس النافذة التي كنت تضع على حافتها زهورا في أباريق من فضة ، وقوارير.

(6)
إنها الكرامة التي أهدرت ، وهي النفس اللوامة التي أبعدتك . إنها أنت في نقطة الصفر ، وقد حاصرتك كل الأرقام من جميع الاتجاهات .
أنت مقتول بالشمس التي تعامدت على جسدك ، وكشفت صرتك فإذا بعريك يكشف للناس سوءتك . أنت أسوأ الناس طرا رغم الكتب التي تملأ الحجرة وتمتد للصالة . كتب بلغات ثلاث ، وأنت تبغض الاستعمار وتقاوم الاحتلال . ما باله الغزو يأتيك من عقر دارك . ثمانية وعشرون حرفا عربيا تمكنت من كتم أنفاسك ، وتقييد يديك من خلاف فأنت اليوم ذليل . باصفرار رملي يمحو كل الاحمرار الذي رأيته في الليالي الساحرة التي ملأتها بالعنبر والمسك . هيهات أن تجلو الأبنوس لتستولي على اللب فقد سخرت من سوادك ولست بعنتر، ولا هذه دياجير الظلمة تبيضها بنواصي قصائدك بالخط الفارسي الذي يلم صفحاته غلاف من جلد غزال صحراوي ، أما المنمنمات فتشف عن أحرف مذهبة . فليت الكتاب بقى وليت العقل ما ذهب.

(7)
قالت نظلة : كل شيء قسمة ونصيب . قالت : إن هناك من أمور القلب ما لا ينطق به اللسان. قالت إن النصيب غلاب ، والقلب قلاب.
كانت محقة ، فالقسمة هي قسمة الغرماء ، وأنت أول الخاسرين . نصيبك من الدنيا أن تجلس وحيدا على شاطئ النهر ، مدليا يدك لتيار الماء البارد . نصيبك أن تبحث عن نصك المراوغ ، وتدخله مربعاتك السوداء . سقطت كل البيادق ، وباتت رقعتك مكشوفة ، فيما الحصان قد كف عن الصهيل . الطابيتان ليس لهما سوى التحرك عرضا وطولا . فماذا يضيرك إن مات ملك وعاش ملك ؟! والملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها . أنت الذي أفسدت أميرتك حين تركتها وحيدة ، مسكينة ، عارية في صقيع المدينة . مغطاة بصفائح من رقيق الذهب وأوراق الأسهم والسندات . كانت بحاجة لأن تسند ظهرها لحظة انكشافك المريع . عارية كانت إلا من حبك الذي كان يبرد ككلام مراوغ كلما خرج من بوق الهاتف . منكشفة إلا من حبك الذي فتر مع الزمن.
هل كان بإمكانك أن تصارع الزمن ، وهو الذي مرغ كرامة الجبابرة الأقوياء في الوحل إذا ما صمم على منازلتهم وإيقاع الأذى بهم ، فما بالك وأنت ضعيف كل الضعف ؟! خانتك حروفك ، ولم تستطع أن تدفع عنها الفتنة وعنك البلاء . خصمك الذي تسلل إلى المخدع في طيات الألف اللينة والياء المقصورة كانت بيده مفاتيح تنوء بها أيدي أولي العصبة . وفي الحياة عري كاشف ، والسل ينخر صدرك ، ورأسك توجعك ، أما الدم فتراه من خلف البشرة أسود قانياً .

(8)
أعلى الحجرة ، في المنطقة التي يتصل فيها الجدار بالسقف تحرك البرص . حين صعدت لم تتمكن من إصابته بدقة فانقطع الذنب . سقط على أرض الحجرة يتلوى في ذبذبات واهنة . لما فكرت أن تصعد مرة أخرى لتكمل مهمة القتل سقط بك السلم ، ورأيت أن الخشب الذي جثم على صدرك كان أثقل من أن تزيحه .
أرتفع أنينك ، ومع الآه أتى زملاء الغرفة . نظروا إليك في سقطتك . حملوك ولم يفطن أحد للبرص . إنه عدوك الذي صمم على الحط من كرامتك ، والتلذذ بسقطتك التراجيدية . من الأرض جئت وإليها تعود.

(9)
يسألونك عن هزيمة الروح ، قل إنه الأسود عندما يرتع في مساحات البياض ، فيختلي بالزرقة الفسيحة ، ويحيلها دما . وجاءت نظلة بأعواد خوص وضعتها على قبرك ، ثم إنك رأيتها ترقص شبه عارية ، بقدمين حافيتين ، ودموع لم تكن كاذبة . أرتك كل الفنون التي عشت تحلم بها . أردت أن تريها ميتتك فتراجعت ، وانكمشت الأهلة على حدبات القبور التي تلاصق قبرك.
لكل قبر فتحة تفضي إلى عمق حيث العظام رميم ، والثرى الطيب ، والروح التي ارتقت وغادرت ذلك الجسد . روحك لم تقدر على السمو لأعلى . التصقت بالتراب وتجعدت في ثناياه . ويلك أيها الشقي المعذب.

(10)
" ومن آياته أن خلق لكم أزواجا لتسكنوا إليها " . وسكنك هو موتك ، ونظلة تجرك من شعر رأسك . تنتحب بصوت مسموع إذ أنت عصي على الدفن ، والتفتت ، والاندثار، والذهاب.
ذهب العقل ، وذهبت الحبيبة ، والشمس بدت كاشفة لعريك . فمتى يمكنك أن تكتشف ما في الصفر من مرض عضال . وصفار البيض منه مبتدأ الخليقة ، وأنت استسلمت للخديعة ، ولم تفكر في مدية أو مسدس أو قاذف " أربي جي " . لم يكن أمامك سوى أن تبطش بذاتك ، الخائفة ، الخانعة ، المترددة . وعلى هواها جاءت ورقتك الشرعية فإذا بها وقد تحررت منك ، ومن وجعك الذي سكن صدرك دما ، وتمكن منك موتا بات يؤرقك.
فسلام عليك أيها الشقي ، وسلام على المخدوعين الأبرار .

5/2/2008.
03-22-2008, 10:07 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
أسود .. أبيض - بواسطة سمير الفيل - 03-22-2008, 10:07 PM
أسود .. أبيض - بواسطة ليلاء - 03-23-2008, 10:14 AM,
أسود .. أبيض - بواسطة سمير الفيل - 03-30-2008, 04:58 PM,
أسود .. أبيض - بواسطة ليلاء - 03-31-2008, 11:02 AM,
أسود .. أبيض - بواسطة سمير الفيل - 04-01-2008, 11:32 PM,
أسود .. أبيض - بواسطة ليلاء - 04-08-2008, 08:46 AM,
أسود .. أبيض - بواسطة سمير الفيل - 08-04-2008, 03:15 AM,
أسود .. أبيض - بواسطة الدبور - 08-04-2008, 10:39 PM,
أسود .. أبيض - بواسطة سمير الفيل - 05-13-2009, 08:39 AM,
أسود .. أبيض - بواسطة بنى آدم - 05-13-2009, 08:35 PM,
RE: أسود .. أبيض - بواسطة سمير الفيل - 05-21-2009, 08:43 AM,

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  تي شيرت أبيض لمى 4 829 04-17-2008, 10:35 AM
آخر رد: لمى
  شرشف أبيض للكاتبة الأردنية بسمة فتحي إبراهيم 14 2,981 08-18-2005, 11:16 PM
آخر رد: بسمة
  بسمة فتحي تطهر أحلام النيام في "شرشف أبيض حسان المعري 10 1,830 04-21-2005, 06:04 PM
آخر رد: coco

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS