رسالة .. ثانية

صديقتي .
رسالتُك أرخم أغنية مرَّتْ بذاكرة وتر . أصفى من لثغة العصفور الدوري . أعذب من هتاف نجمة لنجمة .
هل أبكتك رسالتي حقاً ؟ إني سعيد لبكائك . فما كل يوم يتساقط الكريستال السائل بمثل هذه الغزارة . ما كل يوم يبكي تشرين بمثل هذه الروعة يا صديقتي .
إن رسالتك ناعمة . لكنها ظالمة .
ظلمتني حين مسحت بضربة ريشة واحدة كل تارخي معك .. كل هذا الكون الذي عمرته لكِ من نحاتة الأقمار , وأعناق الشحارير ...
حتى أنت تقولين هذا يا صديقتي . يا من صنعتُها من زبد الموج في خلجان بلادي . يا من فصَّلت لها من حشائش البحر قميصاً لم يحلم به غازل .. يا من حملت إلى عينيها جميع غابات الكستناء وجميع أوراق الدوالي ...
أبضربة ريشة واحدة تمسحين مجد حروفي وأنت تعرفين أنها المريا التي تتمرين بها ..
إنني لا أصدق ذلك . شفتاك الكرزيتان ستموتان بدون شعر .. بدون أغنية تسقيهما . فلا تحطمِّي
في لحظة حماس قصائدي _ الأواني التي عبأت فيها جمالك _ فإنك بعد هذا لن تجدي ما تتعطَّرين به .. ما تعطِّرين به غرورك .
في رسالتك الأخيرة طلبت إليّ أن أغيَّر طريق حبي لك . لا تسأليني هذا فإنني أخشى لو فعلت أن تموتي بين يديّ .
إياك أن تجعلي من الحب مسالة حسابية .
فالحب العظيم هو الحب الذي لا يعرف الحساب . هو الحب الذي يلقي بنفسه في المحيط .. بدون طوق نجاة .
وأحسن طريقة نحبُّ بها هي أن نحبّ . وأحسن طريقة تثيرين بها مخيًّلة الرجل هي أن تظلي امرأة .. لا فرق أن يكون لهذه المرأة شكل الأرنب المسالم .. أو القطة البيضاء .. أو الزلزال المدمِّر ..
كوني ما شئت أرنباً .. أو قطَّةً .. أو زلزالاً .. ولكن كوني امرأة ..
في رسالتك تقولين إنني إله مغرور .. وأنك لم تكوني بين يديّ سوى حيوان جميل مثير !
هل أنا إله مغرور حقاً ؟
ثقي أنني لست ذلك الإله الذي تخترعين .. ولا أريد أن أكونه . أنا من هذه الأرض , من حرارتها من اختلاف رياحها , من تقلب فصولها , من تشقق قشرتها و من سلام أماسيها ولهيب شموسها .
أنا من التراب الذي ينبت الصلوات والخطيئات . فإذا شممت في شعري رائحة الصلاة مرة.. ورائحة الخطيئة مرات .. فلا تنكري ذلك لأنني جمعت أزهاري من هذه الأرض التي أمشي عليها أنا .. وتمشين عليها أنت ..
ولا بدَّ لاكتمال حسن الإناء من تنوع أزهاره . الزهرة السوداء لا يستغنى عنها عند تنسيق الآنية لأن زهور العقل والحكمة هي كالزهور الإصطناعية .. لا رائحة لها .

ملاحظة : لا تحتفظي بهذه الرسالة في جيبك . إن فيها مادة محرَّمة . شعر . شعري أنا .. ولأني عند أهل مدينتي رجل مجنون مهنته أن يضرم الحرائق الكبيرة .. في العيون الكبيرة .
مهنته ان يحبَّك يا سيِّدتي ....

1956

يتبع

:redrose:

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع		الكاتب	الردود	المشاهدات	آخر رد
	'الاستجواب ....هل كان نزار قباني لاديني أم مسلم متنور ????	بسام الخوري	12	4,416	12-20-2011, 03:33 PM آخر رد: minatosaaziz
	قصيدة ( إلي حبيبي ) - نزار قباني	coco	5	11,741	08-08-2011, 12:40 PM آخر رد: آشور بني بعل
	عندما تم إبعاد نزار قباني من العراق خوفا على حياته	بسام الخوري	3	2,078	11-11-2010, 03:45 PM آخر رد: * وردة *
	سؤال لمحبي نزار قباني	طريف سردست	3	1,634	05-30-2009, 07:15 PM آخر رد: فيريل
	هدية لرائف، أشعار لنزار قباني ومحمود درويش بصوتهما	ابن سوريا	8	2,154	03-11-2008, 02:34 AM آخر رد: بسام الخوري