{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
ألف وجه لألف عام...ابراهيم العريس
بسام الخوري غير متصل
Super Moderator
******

المشاركات: 22,090
الانضمام: Feb 2004
مشاركة: #1
ألف وجه لألف عام...ابراهيم العريس
ألف وجه لألف عام - «يوسف وإخوته» لتوماس مان: رواية أم نص تاريخي؟
ابراهيم العريس الحياة - 24/03/08//


توماس مان (1875 – 1955)
ليست رباعية «يوسف وإخوته» أشهر أعمال الكاتب الألماني توماس مان، هي – في نظر كثر من النقاد ومؤرخي الأدب - أقوى هذه الأعمال. لكنها في الوقت نفسه العمل الذي لم يكن احد يتوقعه من هذا الكاتب الروائي، الذي كان قبل ذلك أصدر معظم روائعه الكبرى لتدور غالبيتها في أجواء القرن العشرين. أما هذه العودة الى العصور القديمة، القرن الرابع عشر قبل الميلاد تحديداً، وإلى إعادة رواية فصول معينة من سفر التكوين، فمسألة حيرت المؤرخين كثيراً، خصوصاً ان مان كتب أجزاء الرباعية خلال ست عشرة سنة كانت الأصعب في تاريخ ألمانيا وتاريخه الشخصي، بل حتى تاريخ العالم بادئاً مع استيلاء النازيين على أذهان الشعب الألماني ثم على الحكم، منتهياً، مع بدء هزائم جيوش هتلر خلال الحرب العالمية الثانية (أي بين 1926 و 1943). ولعل أغرب ما في هذا الأمر هو أن توماس مان، كي يكتب وجهة نظره في حكاية يوسف استند الى المراجع اليهودية، في وقت كان اليهود بدأوا يعيشون حقبة اضطهاد فكري ثم جسدي طويلة تحت ربقة النازية. فهل كان هذا من صاحب «الجبل السحري» و «موت في البندقية» طريقته في الوقوف ضد النازية وفكرها في شكل موارب تماماً. أم كان الأمر مجرد مصادفة؟

> بادئ ذي بدء، لا بد من الإشارة هنا الى ان «يوسف وإخوته» ليست رواية تماماً، كما انها ليست رواية تاريخية في الشكل المتعارف عليه. إنها تاريخ متصور من كاتب ذي خيال واسع، لم يضف من عنده الى التاريخ، لكنه حاول ان يعيد تفسيره، انطلاقاً من الاطلاع على كل وجهات النظر، بما فيها تلك المتناقضة كلياً في ما بينها، كما انطلاقاً من الأسطورة التي صيغت، شعبياً، من حول يوسف، ثم من الرؤى الدينية للحكاية، وصولاً الى العقلنة التاريخية التي حاولها كتّاب أرادوا أن يقرأوا حكاية يوسف على ضوء نظرة الشعوب إليها، وضمن إطار سيكولوجي – سوسيولوجي. ومن هنا أتت الرباعية حاوية لكل هذا في الوقت نفسه، مضافاً إليه المتعة المعتادة في لغة توماس مان.

> كما أشرنا يحدد توماس مان القرن 14 ق. م. زمناً للرواية وهو بهذا يجعل من أخناتون – الذي سيعرف لاحقاً بأبي التوحيد – فرعوناً على مصر يتخذ من يوسف حين يلجأ إليه نائباً له. ويكون يوسف بلغ الثامنة والعشرين من عمره حين وصول أخناتون الى السلطة. لكن هذا لن يحدث إلا في الجزء الثالث من الرباعية، وعنوانه «يوسف في مصر». أما الجزءان الأولان فيحملان العنوانين التاليين: «حكايات يوسف» و «يوسف يافعاً» أما الجزء الرابع والأخير فعنوانه «يوسف المعيل». من الناحية السردية، يبدو واضحاً ان توماس مان يتبع هنا التطورات الحدثية الواردة في سفر التكوين بين الفصل 27 والفصل 50، إذ ان أحداث الجزء الأول تشمل الفصول من 27 الى 36، والثاني الفصل 37 بأكمله، بينما يشمل الجزء الثالث الفصول من 38 الى 40، ويمتد الجزء الرابع من الفصل 41 الى الفصل 50. غير ان التغييرات والتبدلات الأساسية تتم داخل مجرى الأحداث وفي علاقات الشخصيات. إذ من الواضح أن ما أراد توماس مان التركيز عليه إنما هو – بحسب مفسري أعماله – سبر أغوار وضعية الأسطورة وتفسيراتها خلال الحقبة الأخيرة من عصر البرونز، وصولاً الى دراسة مدى الحقائق التاريخية التي تنطوي الأسطورة عليها، والانطلاق من هذا الأساس لدراسة بروز التوحيد. ومن هنا نرى الكاتب يربط الحكايات التي «يستعيرها» من سفر التكوين بأساطير مزامنة لها، تنتمي الى شعوب أخرى وثقافات أخرى لا علاقة لها – من الناحية المبدئية – بالعهد القديم والأديان التي جاء بها أو مهّد لها. وعلى هذا الأساس نجد توماس مان يقيم توازياً، متخيلاً، بين فكرة نزول يعقوب الى العالم السفلي وفكرة هرب ابنه يوسف الى مصر. وعلى هذا تصبح بلاد وادي النيل للابن، ما كانت عليه بلاد الرافدين للأب. وكذلك، على صعيد اصغر – ودائماً بحسب مفسري عمل توماس مان – تصبح حكاية انغلاق يوسف في البئر، موازية لحكاية عزل اينانا – عشتار وديمتري كما هو مروي في أسطورة تموز البابلية، ليخلص توماس مان من هذا معتبراً حكاية اسر اليهود في بابل، مجرد محاكاة على نطاق أوسع لكل حكايات الانغلاق والعزل هذه.

> في هذا الإطار، يتفق توماس مان، مع واضعي التراتبية في مسار الأنبياء والرسل، جاعلاً من ابراهيم، مؤسس الأحناف، أي الموحدين، ثم من يعقوب وريثاً له، مكلفاً بأن يتبعه في تركيز دين التوحيد. وفي هذه الحكاية نفسها، يصبح يوسف على علم بالدعوة الإبراهيمية التوحيدية. ومن هنا، إذ يصل الى مصر، وينضم الى حاشية الفرعون اخناتون يصاب بالدهشة إذ يجد هذا الأخير داعياً، بدوره، الى التوحيد، متعاطفاً مع النبي ابراهيم ودعوته. والحقيقة ان هذا الاقتراح الفكري التاريخي، لم يكن توماس مان أول من وضعه، بل سبقه الى ذلك عدد من العلماء، ومنهم فرويد، خصوصاً في كتابه «موسى والتوحيد» الذي شكل أول ربط علمي بين توحيدية اخناتون وتوحيدية ابراهيم. علماً بأن فرويد ضم الى اقتراحه فكرة أن موسى كان معاصراً لأخناتون، وهو شيء لا نراه عند توماس مان واضحاً في «يوسف وإخوته» لكنه سيرد لديه لاحقاً في رواية وضعها عام 1944. ولعل من الأمور الملفتة للنظر في رواية توماس مان هذه، ان يوسف بعدما أنقذ من البئر الذي رمي فيه، غيّر اسمه الى اوزارسيف، ملحقاً بأول هذا الأسم، أول اسم اوزيريس، ما يوحي برابط بين الاثنين يقترحه توماس ايضاً، من دون ان تكون لديه الرغبة في الذهاب بهذا الاقتراح بعيداً... أو بالأحرى، لمجرد ان يوحي بأن يوسف صار الآن في العالم السفلي كما كانت حال أوزيريس. والطريف ان هذا التبديل في الأسماء هو – بحسب مفسري رواية توماس مان – معادل لتبديل اخناتون اسمه من امنحوتب الى اخناتون.

> إن هذه التفسيرات كلها توحي هنا بأن توماس مان، انما سعى من هذا العمل الى إعطاء صدقية أدبية ما، للنظريات العديدة و «الغريبة» في ذلك الحين، التي كان سيغموند فرويد قد جاء بها من حول مثلث ابراهيم – اخناتون- موسى، غير ان هذه الفرضية لا تبدو لنا هنا دقيقة تماماً. الأرجح ان توماس مان، أراد في نهاية الأمر ان يكتب رواية تاريخية لا سابق لها، من دون ان يبدو على روايته انها تدنو حقاً من الشؤون الدينية أو من الشؤون العلمية – التاريخية. وفي يقيننا انه وفّق في ذلك، لأن قلة من الناس فقط، تعاملت مع رباعية «يوسف واخوته» من منطلق البحث عما اذا كان ما فيها من نقاط تاريخية أو دينية، مثبتاً تاريخياً أو لا. إذ منذ البداية استقبلت هذه الرباعية المكتوبة بلغة وأسلوب رائعين، بوصفها عملاً إبداعياً ترميزياً، أعطى الكاتب فيه لنفسه حق التصرف في الحقائق وفي التواريخ والعلاقات للوصول الى رسم صورة لزمن وفكر وشخصيات معظمها مستقى من التاريخ مباشرة، فيما أتى بعضها من مخيلة الكاتب مباشرة.

> ومن المعروف ان توماس مان (1875 – 1955)، كان في المقام الأول روائياً، حتى وإن كان كتب بعض النصوص السياسية والفكرية والنقدية. ذلك انه لم يكتب هذه الأخيرة إلا تحت ضغط الأحداث، مفضلاً دائماً ان يطور أفكاره وآراءه وخيالاته، في نصوص قصصية أدبية. غير ان هذا لا يمنع من القول ان ثمة بين رواياته ما يبدو في نهاية الأمر، وكأنه – بوصفه تلميذاً لغوته ونيتشه وشوبنهاور في آن معاً – مجرد تفسير لنظريات وأفكار. غير ان هذا لا يبرز إلا عند القراءة الأولى لأعمال مثل «الجبل السحري» و «د. فاوستوس» و «آل بودنبروك» و «وطونيو كروغر»... وغيرها من أعمال سرعان ما تكشف قراءتها الثانية انها لم تكن، بعد كل شيء سوى روايات من نوع ندر ان ضاهاه كتّاب آخرون في طول القرن العشرين وعرضه في مجال كتابة الرواية الفكرية.

03-24-2008, 12:34 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
ألف وجه لألف عام...ابراهيم العريس - بواسطة بسام الخوري - 03-24-2008, 12:34 PM

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  سورية الدولة العلمانية تزداد اسلامية، أفقياً وعمودياً....ابراهيم حميدي الحياة بسام الخوري 1 781 06-18-2005, 12:52 PM
آخر رد: بسام الخوري

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 2 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS