حين النزول من الأبراج العاجية المثالية، والبعد عن الخيال المفرط بالرومنسية، نجد أن العنف كاللطف شيء أساسي في تركيب البشر بله الكون.

العنف ليس شرا بذاته، وليس شيئا يعاب عليه قوم ما أنهم عنيفون باتجاه أو بآخر، العنف وحده ليس تهمة فضلا أن يكون جريمة، هو خصلة كونية وإنسانية تنفع وتضر.

كسائر الخصل في النفس البشرية، ينبغي أن لا تترك الخصلة على هواها، تعبر عن نفسها متى تريد وأين تريد، وفي محل إشباعها وغيره، بل الأصل أن تنظم وتنسق ضمن منطومة المفاهيم البشرية عن الحياة.

فليس عيبا في الإسلام مظاهر عنف موجودة فيه، لأنها ليست مظاهر عنف، بل هي تنظيم السلوك البشري الطبيعي بما فيه مظاهر العنف، وهذا يشمل الإسلام وغيره.

الإشكال ليس إذن في العنف ومظاهره، الإشكال على الحقيقة في مصدرية التنظيم هذا، هل هي من الله أم من العالم، هنا المفصل ولا مفصل سواه.

أما المظاهر الشاذة في التعبير عن العنف، فقد وجدت عندنا وعند غيرنا، قديما وحديثا، وكلنا يعلم حال الخوارج وكيف ذبحوا عبدالله بن خباب وزوجته وجنينهما، بما أثار استنكار العالم الإسلامي وقتذاك، ويعلم حال الأزارقة الذين عدوا أطفالهم كفارا حتى يبلغوا فيختاروا الدعوة أو الكفر، والحال يستمر إلى يومنا هذا.

على أن هذه المظاهر قد وجدت دوما في الأرض، ولم يكن المسلمين فيها بدعا، وعهدنا بأم الغرب ليس بعيدا إذ تحرق القرى بقاطنيها في فيتنام، ثم تلقي بقانونها الدولي في سلة المهملات، وتهاجم دولة عضوا في الأمم المتحدة دون إذن من الأمم المتحدة، لتحتلها وتغير نظام الحكم فيها من دكتاتورية الحزب الواحد إلى دكتاتورية الطوائف المتصارعة، مستخدمة في ذلك ما تيسر من أسلحة مباحة ومحرمة!

ففيم يلام دين ومبدأ وأمة ليس لديهم من أدوات التعبير السياسي شيئا يذكر، علاوة على غياب المبدأ الحقيقي والكامل عن الحياة العامة منذ ما يقرب من مائة عام عند المتفائلين من المسلمين، ولست منهم، ولا يلام الغرب وهو في موقع القوة والقرار والقدرة ويصنع ما يصنع برعاية من الدولة القائمة دونما استحياء ولا رحمة ولا شفقة؟

مفاهيم الرومنسية السياسية يستخدمها الغرب ضد خصومه، بينما هو يقوم بذبح الناس مرتديا قفاز الحرير، وبينما يدعو إلى الإنسانية والمحبة في نفس الوقت يقوم بتدمير القرى على ساكنيها، وحين يعترض معترض يقال له هذا غير ذاك.

واعجبي، دول ديمقراطية تعبر عن مواطنيها! كيف لا يحتمل جميع من فيها وزر دولتهم حين تقوم بجريمة، ولكن يأبى البعض إلا أن يحمل الإسلام قراءة بعض معتنقيه أو أعدائهم رغم غياب الآلية السياسية التمثيلية بين الإسلام والمسلمين!

على كل الفلم معد له بعناية حتى نصل تدريجيا إلى نقطة يبدو فيها الهولوكوست على المسلمين هنا شيئا طبيعيا لا تهتز له شعرة، بل شيئا مطلوبا، بل شيئا محبذا، ولعل القوم لن يفرقوا حين سعار الدم بين مسلم وعربي غير مسلم، اقتلوهم جميعا والرب يفرق بينهم!