تحية للأصدقاء الليبرالي والخوري ونسمة والعلماني. لكل منكم ما يليق من البستان (f)(f)(f)(f)

أعتذر مسبقا عن ضيق الوقت الناتج عن ظروف العمل الجديدة. ولكن ذلك لن يمنع أن اشرب نخبكم وأكتب كلمتين.

عنوان الموضوع جاء لي نتيجة لمقالة كتبتها ابنتي مؤخرا في عمل أكاديمي. قالت "الإنسان ابن بيئته". واستشهدت في ما كتبته بالفوارق بين ساكن المدينه وساكن الريف فلاحظت أن سكان المدينة تجمعهم عوامل مشتركة أهمها الشغف بالسرعة : السرعة على الهايواي، والسرعة في صنع العلاقات الإنسانية والتخلي عنها، و السرعة في صعود السلم المهنيز يجمعهم حب الأكل السريع، والسيارات السريعة، والتسوق السريع. الخلاصة هي أنه لساكن المدينة خصائص مشتركة فرضتها عليه بيئته .. عجنتها في طلبيعته حتى صارت طبيعة ثانية !

وساكن الريف أيضا له خصائص منفردة جبلتها في تكونه البيئة التي يعيش بها. هو يعيش في تناسق مع الطبيعة والحقل وسلسبيل الماء العذب أو الشلال الذي يخرّ في زاوية الوادي. حياته بسيطة، توقعاته بسيطة، واحتياجاته بسيطة. ساكن الريف يبدو متجردا من الحاجة الى الماديات التي تمتلك ساكن المدينة كالإدمان!

ثم تحدت في رسالتها عما ذكره الزميل العلماني من ان البيئة تصنع الإنسان ولكن في الوقت ذاته يصنع الإنسان بيئته. فوصفت الأمر بالدائرة التي تقتات على ذاتها حيث الإنسان في تكوين مستمر لذاته عبر نحته لبيئته. فعندما يخلق الإنسان شيئا في بيئته ، ولو كلمة ، تعبر عن آماله وطموحه وتطلعاته ، فهو بذلك يضع اللبنات الأولى و الضرورية لتحقيق هذه الآمال والطموح والتطلعات. وعندما يخلق شيئا يعبر فيه عن خياله فهو يحوّل بذلك الخيال الى حقيقة.

وذكرت، في ما ذكرته في رسالتها القصيرة، أننا لو تفحصنا الحضارات السابقة لوجدناها جميعا وليدة بيئتها .. من الإنسان الأول الصياد، الى المصريين والبابليين الذين جبلهم النيل ودجلة والفرات .. الى العرب الذين خرجوا من جلف الصحراء، الى الصليبيين والتتار الخارجين من غياهب قرون اوروبا الوسطى وشظف العيش وغلاظته في جبال شمال شرق آسيا. وهل الأوروبي أبن عصر النهضة ليس أبن بيئته، أو أبن العصر الصناعي؟ هل أبن الحضارة الغربية ليس نتيجة البيئة التي جلبت طباعه، وأخلاقه، وقدراته؟

نعم، أيها الزملاء، كلنا أبناء البيئة .. وتعس حظا من كان أبن بيئة يطغى عليها الجهل الديني والإستبداد السياسي.

تحياتي