Array

العلماني:
أما عندما تؤمن هذه الأقلية الضالة الكافرة، فإن مصر سوف تتخلص من مشاكل الفقر والبطالة والحالة الاجتماعية المتدنية، وتقضي "بعون الله" وهذا "الفتح القريب" على الجهل والأمية والتخلف والاكتظاظ السكاني وإشكالات التنمية والدكتاتورية. ثم تصبح منارة للدين القويم والصراط المستقيم، ليس فيها عتل ولا زنيم، ولا حتى "شعبان عبدالرحيم". ولسوف ينزل الله من لدنه المن والسلوى، والجاتوه والحلوى، والثلاجه والمكوى، ويرفع عن المصريين البلوى، ويحفظهم من الشكوى، فلا تنتقل إليهم العدوى. ثم تشتغل الناس بالدعوة إلى مكارم الأخلاق، والانشغال بمنكر ونكير وعظمة راكب "البراق"، فتأتيها الأرزاق، بأمر الواحد الخلاق، كي تسد درب العوز والإملاق.

بالأمس
كنت في مكان حكي لي فيه الحاكواتي عن معجزة نزول مائدة من السماء وإطعام بعض الكافرين منها مما كان سببا في عودتهم إلى الصراط المستقيم ..
الهووس الديني في مصر علامة من علامات هذه الفترة التاريخية (المزدهرة!) في كافة المجالات ، ولسوف يسجل التاريخ لمصر هذا الازدهار الديني بكافة أطيافه
(إسلاموي-مسيحي-لاديني) برأيي ما شهدت مصر في تاريخها فترة أوسخ وأعفن وأحط من هذه الفترة ، وما أراه من هوس ديني عند طوائف الشعب الذي لوث بساطة العوام
ومهد لمزيد من الفساد ، وساعد وعلل للبلطجية والشمامين كثيرًا من فتوحاتهم .
أحد أصحاب "نجيب محفوظ" منذ الصغر أرجع الهوس الديني والشلل الفكري بمصر إلى "أمراض الخليج" وكانت جملته فاصلة عندي لم أطلب منه المزيد
لو حدثت قبطي وعرف أنك مسلم وبالكاد تؤدي بعض الشعائر والطقوس ، حديثًا عاديا لن يجد حرجًا في الدخول في حلبة صراع معك في الغزو العربي .. وفي اضطهاد الأقباط وفي الجنس والشذوذ في الإسلام وتظهر لك العقلية النقدية .
بمجرد الحديث مع المسلم تجد عبارات ( الله المستعان - جزاكم الله خيرًا - شيخنا -بهلولنا - عقيدة - عصيدة - مخالفات شركية ) ويتم حشر الكلمات حشرٍا في سياق الحديث بداعٍ وبدونه .. وأضحى المسلمون جميعًا عباقرة في أمور العقيدة يعرفون المتفق والمختلف ، والعقلي والنقلي ، وأصبحوا (ديداوات) قارئين للكتب المقدسة في لغاتها الأصلية والمنقولة إليها .. حتى وإن لم يحسن أحدهم تكوين جملة مفيدة فهو شيخ ولا تعجب .
وليس ببعيد حال اللاديني المصري يجلس على المقهى ، ليلعب ويتسلى ، يحضرني الآن نموذج يضاهي نموذج موضوعنا .. ويتسق معه ..
مصر يا سيدي الآن خرابة ، ومبولة فكرية ، ومشخخة كمان
يتبول الناصح والمتحدث باسم الرب في عقول سكانها ، وإن عُدم الماء فلا تيمم ، ففي الأراضي المجاوره وفرة من مريدي التبول يفدون إليها .. فلن تفنى مصر ، ولن يفنى خيرها ودومًا عامرة بالمبدعين .
[/quote]

ما تقوله خطير جداً يا "يجعله عامر" رغم أن جميعنا بات ينظر إلى "مصر"، بل إلى الشرق كله، ولا يصدق أن هذا هو نفس المكان الذي ضم آباءنا وأجدادنا منذ أقل من نصف قرن فقط.

لن أسأل طبعاً عن السبب، فهناك أسباب كثيرة لهذا التدهور الخطير، أهمها أن المواطن المحبط قد فقد أي أمل بصلاح عيشه مع الدول العربية الحديثة الفاسدة المستبدة. هذا المواطن نفسه، في بحثه عن البديل، ارتمى بين يدي تجار "أفيون الشعوب" وصار "يبرشم السور والآيات والإصحاحات والأحاديث والمزامير" ووقع في ما وصفه "كارل ماركس" (ص) بأنه "الاستلاب".
المواطن العربي اليوم مواطن "مسلوب ومُستَلَب"، فضّل أن يؤجر عقله لتجار "أفيون الشعوب" لأن "روح المقاومة" والنهوض والبحث عن بدائل ماتت عنده بفعل الدكتاتورية والاستبداد.
مع هذا "أين يمضي هارب من دمه" - كما يقول المتنبي -. إذ يتحتم على جميع القوى العلمانية العاقلة أن تبحث عن بدائل وحلول عقلانية غير "الجنات التي تجري من تحتها الأنهار" وتراث "خير القرون" ( إلا إذا كنا نحب "القرون":) وطريق"الرب يسوع" له المجد.

ما أزعجني في هذا الموضوع (وهو ليس الوحيد في هذه الساحة طبعاً) هو انشغالنا بمسائل تافهة مثل عدد الأقباط الذين يدخلون الإسلام أو عدد المسلمين الذين يدخلون المسيحية ونكوصنا عن مواجهة مشاكلنا الحقيقية السياسية والاقتصادية والاجتماعية على السواء. يقول استاذنا الدكتور "فؤاد زكريا" (أو صادق جلال العظم ... لم أعد أذكر تماماً) بأن ما أحدثته هذه "الردة الحضارية" المسماة "بالإسلام السياسي"، أنها عمدت إلى توافه الأمور وشغلت مجتمعاتنا بها فزدنا تخلفاً على تخلف. وإن كنا بالأمس نأمل بأن نلحق بركب الدول المتقدمة، فإننا اليوم عدنا إلى القرون الوسطى، وصارت مشاكلنا "صحة دين فلان"، و"حجاب فلانة"، ودخول الحمام باليمين أو اليسار، والتمحيص عن الأدوية الموجودة في بول البعير وجنح الذبابة، والنقاش حول أحكام الجلد والرجم والجدع والتعزير، وتحبير الصفحات الطوال في أوصاف الجنة، والتهليل لبضعة أشخاص اتبعوا الإسلام وكأن هذا الدين الذي فاق عدد أتباعه المليار يشكو من قلة المؤمنين، وكأن مشاكل هؤلاء سوف يحلها المليون كافر الذين يعلنون إسلامهم أو مسيحيتهم... عن جد شي مزعج ...

أخيراً، قد تكون هذه الآفات حقاً "أمراض الخليج" وضيق الأفق "الحنبلي الوهّابي"، ولكن هذا "التشوه العقلي" وجد عند "عرب الماء" (في مصر سوريا والمغرب العربي) تربة خصبة لحضن الوباء، وجسداً هزيلاً نظام مناعته ضعيف هش تلقف هذه "الآفات" وأضاف إليها بعض الطائفية المقيتة وبعض السفسطائية السخيفة فصار الحال على هذا المنوال، وصرنا نختزن الماء في الغربال، ونعد مستقبلنا بما وعد به أحدهم "دلال" ("دلال" = أغنية لجوزيف صقر من ألحان زياد الرحباني من أطرف ما سمعت في حياتي .. اسمعها ولن تندم ) ... وكي تقتنع بما أقول، تذكر فقط أنك تعيش في عصر يضم بين أسماء مثقفيه ونجومه الفكرية"محمد عمارة" و"زغلول النجار" و"عبدالصبور شاهين" و"يوسف البدري" و"زكريا بطرس" ... تذكّر هذا لحظة ثم انس كي تستطيع أن تعيش قليلاً قبل أن تتداركك ذبحة صدرية (سلّمك الله) ...

:redrose:

واسلم لي
العلماني