القاهرة
توقعنا الأزمة في الغرب فجاءتنا من الشرق حيث تتململ الشوارع العربية في بوادر اضطرابات خطيرة بسبب غلاء المعيشة. نراها في اليمن ومصر وامس في الضفة الغربية والبقية ستتبع.
توقعنا ان تحدث انهيارات اقتصادية في الغرب لأن سعر برميل البترول قفز من ثلاثين دولارا الى مائة دولار، وفوجئنا ان جبهتنا هي التي أصيبت سريعا. ومع ان كل الدول العربية أصيبت إلا ان مصر هي الأكثر تأثرا، بعد ان وجد الناس أن رغيف الخبز ارتفع سعره واختفى أثره وطالت الطوابير أمام أفران مغلقة. ولا بد ان الاحساس بالخطر دق أجراس الدولة في القاهرة التي يحسب لها مسارعتها بإنزال الجيش لا لمواجهة المحتجين لو جربوا اكتساح الشوارع بل لمساعدة الناس، فنقلوا الدقيق وأقاموا أكشاك توزيع اضافية وأعطوا اشارة للسوق بأن استغلال الأزمة لن يسمح به. وعمليا نزع الفتيل في القاهرة، اكثر مدن المنطقة سكانا وتأثيرا.
ولو راجعنا علاقة الخبز بالسياسة بالسوق لوجدناها شبكة مترابطة تتأثر ببعضها. فالنظام السياسي يقوم على رخاء السوق، لا الانتخابات، وعليه فهو متعهد بدفع فاتورته. وفاتورة الخبز وحدها مليارا دولار تدفعها الحكومة كمعونة من ميزانيتها السنوية وقدرها أربعون مليار دولار تقريبا. وتختلف مصر عن بقية الدول العربية، فهي محظوظة لأنها تزرع أرزا وقمحا. ومصر محظوظة لانها مكتفية من حاجتها من البترول والغاز وتصدر قليلا من هاتين السلعتين، بما يساعد على تحسين مداخيلها.
وقد لا تستطيع مصر أن تنتج كميات كبيرة اضافية من البترول والطاقة لتحصد عملات صعبة لكنها تملك أرضا خصبة، ومياها وفيرة، قادرة على أن تغير خريطتها الزراعية، وهي مسألة لم تعط ما يكفي من الاهتمام. ففي مصر حاليا نحو سبعة ملايين يعملون في القطاع الزراعي ويشكلون قوة رافدة كبيرة لو طورت إمكانياتهم.
كم ستبلغ فاتورة الحكومة بعد ان تعهدت بدفع الفارق الإضافي في السعر، ودفع تعويض فارق سعر الدولار الضعيف؟ موقف لا يحسد عليه أي مسؤول لأنه مهما فعل سيظل السوق هشا مع احتمال ارتفاعات جديدة للأسعار، وسيبقى الشارع خطرا بسبب مشاعر الغضب الشعبية الموجهة من قبل المعارضة التي تجد فرصة ثمينة في أزمة الرغيف، وهي حالة صعبة حتى في الدول النفطية من الجزائر الى السعودية. فرغم ان هذه الدول حققت مكاسب هائلة من بيع النفط إلا ان مواطنيها يدفعون الثمن من وراء ذلك. فارتفاع سعر البترول يعني ارتفاع كل شيء آخر في العالم وبشكل تراكمي. وهي تستطيع تعويض مواطنيها بزيادة المرتبات لكن التضخم لهم بالمرصاد. وهذا يعيد الجميع الى التفكير بأن واجب الحكومة الأول دائما تطوير إمكانيات المواطن ليتعلم ويزرع ويحصد لا أن يترك عبئا إضافيا يُعان ويُطعم.
alrashed@asharqalawsat.com


http://www.asharqalawsat.com/leader.asp?se...p;issueno=10722