الآية29
هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
يخبر تعالى عبيده أنه هو من قام بخلق كل ما يحيط بهم في الأرض لأجلهم، فهو من خلق الحمير والدواجن والخضار للبشر. خلق الحمير لكي يركبها الإنسان وهذه منّة عظيمة للبشر الجاحدين، وخلق لهم الدواجن والخضار ليأكلوها وهم يكفرون به.
أيضاً، فالعكس صحيح. فهو من خلق البشر للحمير التي لولا البشر الذين يركبوها ويطعموها لماتت من الجوع، والحمير تسبح خالقها لأن كل ما في الكون يسبح خالقه. فاتعظوا يا إخوتي! الحمير مؤمنة والبشر يكفرون.

بعد أن خلق الله البشر والحمير والدواجن والخضار اتجه نحو السماء فسواهن!
نعم يا إخوتي: سواهن. لأن السماء عند الله ليست كلمة تدل على المفرد كما تعني لنا نحن البشر، بل هي تدل على جمع مؤنث. لذلك من الخطأ أن يقول الناس: السماء زرقاء مثلاً، وعليهم أن يقولوا: السماء زرقاوات. وهل نفهم نحن في اللغة مثل رب العالمين؟ أيضاً يخطئ الإنسان عندما يقول: أمسك الفرّان العجين فسواه أرغفة. والصواب أن يقول: أمسك الفران العجين فسواها أرغفة.
ولكي نتأكد أن علمنا اللغوي هو أدنى من علم الله أسرع مباشرة بالقول: وهو بكل شيء عليم لكي لا نطبق قواعدنا اللغوية على مؤلفاته الأدبية الفريدة المعجزة.

الآية30
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
قبل أن يخلق الله الإنسان، لم يكن يجد أحداً ليتكلم معه غير الملائكة، والله يا إخوتي كائن اجتماعي، يحب أن يحدث غيره ويتسامر معه ويخبره عن أمور ينوي هو أن يفعلها. وهكذا، لم يجد الله غير الملائكة ليخبرهم عن آخر ما قرر أن يفعله وهو أن يجعل في الأرض خليفة. ولو أن الله لم يقل للملائكة أنه سيجعل في الأرض خليفة لكان عمله ناقصاً، فلا يجوز أن يقوم أي كان بأي عمل بدون أن يخبر عنه حتى ولو كان إلها على ما يبدو. فمن كلام الله نعرف أن الإبلاغ عن الأمر قبل إتيانه هو ضرورة إلهية وإلا لجعل الله في الأرض خليفة بدون أن يخبر الملائكة عن ذلك مسبقاً.
ولكن الله عندما أراد أن يخلق الملائكة لم يكن معه أحد ليبلغه بنيته بخلق الملائكة، لذلك نتوقع أنه أخبر نفسه بذلك، وهكذا نفهم أنه أبلغ عن نيته.

أعطى الله للملائكة موهبة فهمه على الطاير وموهبة معرفة الغيب مثله تماماً؛ فبمجرد أن قال لهم أنه سيجعل في الأرض خليفة عرفوا أن هذا الخليفة سيفسد فيها ويسفك الدماء.

يتقول البعض بأن الله عندما عرف من الملائكة أن الإنسان سيفك الدماء وسيفسد في الأرض وأصر على خلقه فهو يتحمل نتيجة فعلته. وهذا الكلام مردود عليه بأن الله قال أنه يعلم ما لا يعلمون ( أي الملائكة )، فعلم الملائكة لا يرتقي لعلم الله، لذلك فهو لا يتحمل نتيجة فعلته، وعلى الإنسان أن يتحمل كل أعمال الله.

والقول أن الملائكة هي مخلوقات سامية هو قول خاطئ تماماً، فالملائكة مخلوقات لها أفعالها السيئة، وها هم قد مزقت الغيرة والحسد قلوبهم عندما علموا أن الله سيجعل خليفته مخلوقاً آخر سواهم، فسارعوا للذم به وأنه سيفسد ويسفك الدماء. ولم يتكتفوا بتلك الدسيسة بل زادوا أن مننوا على الله أنهم يسبحون بحمده ويقدسون له. لذلك فهم كانوا من الممانعين أساساً لفكرة خلق الإنسان، لكن الله أرغمهم على السكوت بقوله أنه يعرف ما لا يعرفون، فكظموا غيظهم مكرهين.