Arrayسنظل نحرث في البحر مهما خططنا واستثمرنا وأنجزنا أمام بركان السكان‏,‏ الذي يخرج كل يوم حممه ويلقيها علينا فتحترق كل جهود التنمية والإنماء[/quote]

أبشع مقدمة مقال قرأتها على الإطلاق، وبقدر ما هي بشعة فهي خطيرة للغاية بعدما حصل في مصر منذ يومين.

مقدمة هذا المقال الذي نقله إلينا مشكوراً العزيز نيوترال من صحيفة الأهرام المصرية لا تزيد ولا تنقص عن قلة احترام وعن شتم الشعب المصري كافة، ليس فقط العمال بل بكل شرائحه ومجتمعاته.
وإن جاء هذا المقال غداة إضراب المحلة المتميز فليس هذا إلا برهاناً على تواطؤ كاتبه مع السلطات المصرية، والرغبة في وأد إضرابات ومظاهرات كهذه، لا توجد في دول تتزايد سكانياً بقدر ما توجد في دول متقدمة يتناقص عدد سكانها ولا نرى فيها توقف الإضرابات أو المظاهرات !

وليس الأمر رغبة الشعب العربي عامة والمصري بموضعه القيادي خاصة سياسةً ضد الديكتاتورية أو رغبة في الديمقراطية على المذهب الأمريكي أو الأوربي، إنما هو ثورة ضد القهر اليومي والذل الذي تجاوز كل الحدود ليصل إلى لقمة العيش، وليفقد المواطن العربي كل قيمة، حتى على مقالات جرائد بلاده الصفراء التي أصبح يعد ما في جيبه قبل شرائها حتى من أجل لف سندويشة فلافل صغيرة....

ولو كان الأمر سياسة فقط، لما نجحت أكبر دول العالم ديمغرافياً وأكثرها ديكتاتورية: الصين، في تأمين نهضة وتقدم في بلادها ولم أسمع أنها كانت تشكو يوماً من "الحرث بالبحر" مهما خططت.....

مهما كانت الإحصاءات التي قدمها الكاتب دقيقة والتي تأتي في غير وقتها ومحلها، فخلاصة ما في الأمر أن العلم يجب أن يدير كل شيئ، ليس فقط الجامعات وأماكن التعليم بل اقتصاد البلد وسياسته ومجتمعه، وأن تكون المصلحة الأولى في هذه الإدارة العلمية هي المصلحة العامة.
فإن كان الإداريون عبارة عن جماعة من ضباط الجيش أو كبار التجار الذين جمعوا ثروتهم من التهريب والفساد وتواطؤ الطبقة الحاكمة، تزيد إليها أن مصلحتهم الأولى هي الحفاظ على الوضع كما هو عليه الآن من ركود وجمود، فعلى الوطن السلام، وعلى الشعب إما أن يتحمل هذا الوضع إلى الأبد ويعمل ليل نهار دون القدرة على كسب خبز يومه، أو أن يخرج في الشوارع كل يوم مهدداَ ومندداً، ليثبت أنه هو الأول في كل الحسابات لا مصالح تلك الطبقة الحاكمة....

كاتب المقال لا يشعر أنه ينتمي إلى الشعب ولسان حاله يقول :"نحن أمام بركان السكان الذي يخرج كل يوم حممه ويلقيها علينا " ! إلى من ينتمي إذاً ؟ إلى طبقة مستفيدين قليلة من بقاء الوضع كما هو عليه، أم مجموعة مرتزقة صغار تأكل عيشها من مصائب الآخرين ؟؟.....

ثم يختتم المقال بذكر"إنجاز عظيم" آخر للريس بوضع الانفجار السكاني على الأجندة :"أمام هذا الواقع وأمام دعوة الرئيس لوضع هذه القضية علي أجندة العمل العام‏"....
ولا يسعني هنا إلا أن أفترض أمرين :
الأول أن هذا الأمر لم يكن على الأجندة سابقاً، عندها فالطامة أكبر....
والثاني هو أنهم يعزون الإضرابات والتظاهرات إلى الانفجار السكاني، وهنا الكارثة التي تبين أنهم لم يعوا بعد ما يحصل، أو أنهم يذرون الرماد في العيون ليعموها عن الحقيقة....

منحة مرتب شهر تم صرفها لعمال المحلة اليوم ونصف شهر لبقية العمال، شكراً سيدي الرئيس على كرمك وعطفك !!
ولكن هذا الحل ليس إلا مسكناً للألم، وسيعود هذا الألم للظهور لأن المرض الأساسي لم تتم معالجته: سوء الوضع العام....

وتزايد الكبت الأمني لن يزيد الأمر إلى سوءاً. وإن هو أوقف بعض مظاهر الغضب الشعبي الآن، فهو يزيد الكتم والضغط مما سيؤدي إلى انفجار عاجلاً أم آجلاً....

وفي النهاية، البركان الحقيقي هو الشعب، والويل لمن يضع يده ليحاول تكميمه....