الزميل المحترم "فضل"
محبة و سلام

أولا : أنا سعيد جدا لأنني نتحاور بأسلوب هادئ و عقلاني و محترم.
لا تتصور كم كنت أمقت كتاباتك و مداخلاتك و كم كانت ثقيلة على قلبي !!
من أول مداخلة دخلت فيا شمال ظننت أنني إكتسبت عدوا جديدا ..
كنت لا أطيقك اكثر مما لا اطيق أي شخصية إسلاموية متعصبة و مهووسة في هذا النادي.
لكن الآن نستطيع ان نتحدث كصديقين و نتفاهم .. حتى مع كل هذا الإختلاف بيننا.
على الأقل نحن نتكلم بالعقل.
فشكرا لك سعة صدرك و حسن تقبلك لشخصي المختلف معك.

ثانيا : تقول ان امريكا لم تأت بمشروع ديموقراطي للمنطقة ..
نعم, تابعت مداخلاتك في موضوع الإنتخابات و أرسلت مداخلة قاسية لك و لكن تم حذفها.
ما علينا .. سأعلق في النهاية.

ثالثا : تقول أنني لا أستطيع أن أعتمد على ان إسرائيل دولة عاقلة فحياتي و وجودي ليست بالنوايا.

رابعا : تقول أنني قد أضع موازين القوى في حساباتي أو اتصرف حسبها و لكن لا أروج لذلك ايدلوجيا.
====
جميل ..
لدى نقاط محددة لنتكلم فيهما .....
1- أنا أرى أنك تظن أنني أرى إسرائيل ملاك ... هذا ليس صحيحا.
أنا أرى أنك تظن إسرائيل شيطان .. هذا أيضا خطا كبير.
إسرائيل و امريكا ليسا ملاكين او شيطانين ... بل هما دولتين عاديتين جدا.
لا يوجد بيننا شياطين تنتظر الفتك بنا ... و لا ملائكة تريد مساعدتنا و خدمتنا.
ليس في دنيانا ملائكة او شياطين.
في بشر .. و بس.
الدول هي دول مؤسسات غنسانية تهدف لخدمة أعضاؤها .. ليست شياطين بل هو غختلاف و تعارض المصالح, و يجب عليك أن تتقبل ذلك.
إفرض ان لديك أرضا ما تزرعها .. ثم جاء أحدهم ليزرع أرضك و ينتفع بها, هو ليس شيطانا بل إنسانا طامع في أرضك و يريد أن يسلك إياها ..
هو حرامي و ظالم و إبن كلب لكن مش شيطان ... دوافعه إنسانية و مفهومة.
جريمة بلا دافع مفهوم لا تقوم.

هل تعرف لو قال لي أحدهم أن أمريكا دولة خيرة و محسنة تريد مساعدة الناس و لهذا تحاول نشر الديموقراطية في العالم لما صدقته ..
لو قال لي أنها تحاول تصدير نموذجها كنظام سياسي و حياتي للعالم كما كانت روسيا الشيوعية تفعل و إيران الإسلامية لفكرت قليلا في الموضوع ... الفكرة قد تكون صحيحة بالنسبة لي (لا أعني أنها كذلك فعلا) لأن هناك لفظا ظهر في الموضوع.
نشر أيدلوجية النظم ... مثل روسيا و إيران.
هل تعرف لو قال لي أحدهم أن أمريكا تريد نشر الديموقراطية من أجل مصلحتها .. لانها ترى في الدول الديكتاتورية الشمولية نصف الثيوقراطية العربية تهدد مصالحها و تؤرق مضاجعها و انها إكتشفت انها قد ربت وحشا يلتفت لها الآن ليمزقها كما حدث في 11 سبتمبر, لفكرت قليلا في الموضوع.
الفكرة قد تكون صحيحة لأن هناك لفظ مهم جدا قد ظهر في الموضوع ... المصلحة.
مصلحة امريكا كدولة .. البراجماتية التي أتحدث عنها.
تلك المصلحة هي التي قد تجعل دولة مثل امريكا تشن حربا لتضحي بالمليارات و أرواح أبناءها من اجل المصلحة ...
هي تخاف من تكرار 11 سبتمبر ... هذا منطقي.
هي تريد أن تغير الأنظمة التي تنتج أمثال بن لادن و التي تتيح لأمثال بن لادن العمل ... هذا معقول.
هي تريد أن تغير أنظمة مثل أفغانستان و مثل العراق ... مفهوم.
هي تريد أن تؤمن منابع النفط في العالم ... أكيد.
هي تريد ضرب معارضين لها و إعطاء الآخرين كارت إرهاب .. يبدو هذا معقولا.
هي تريد محاصرة أنظمة مناوئة لها مثل سوريا و إيران .... كل هذا منطقي و مقبول.
الغير مقبول هو ان تخبرني ان هذا حدث لأن أمريكا دولة خيرة تحب الإحسان و التضحية بجنودها و اموالها من أجل إنقاذنا كم براثن نظام ديكتاتوري ..... فأنا لست غرا.
لم تصل الإنسانية لتلك الدرجة بعد ..
أفهم ان أمريكا تريد نشر أيدلوجية تخدم مصالحها و تؤمن تفاهمها مع دول المنطقة .. هي تقول ان الدول الديموقراطية لا تفرخ إرهابا.
و لكني لن أقتنع لو قلت لي أيضا لو قلت لي أن أمريكا تفعل هذا لمجرد الأذى ... لانها تكره العرب و فقط.
هذا غير منطقي و لا واقعي.
ما مصلحة أمريكا في أن تترك في العراق نظاما لا ديموقراطي ؟
أولا : هناك دول معترضة من الأساس عن الحرب مثل روسيا و فرنسا و الصين و ألمانيا ... كيف ستواجههم لو رفضت إقامة حكم ديموقراطي.
بل كيف ستفعل ؟
كل دول العالم تشاهدها و تراقب كيف تدير الأمور ... ألا تتابع الأخبار.
بل أن وكالات الانباء الأمريكية ذات نفسها تراقب أفعلا جنودها و تفضحها حين تقوم بأي تجاوز كما حدث في أبو غريب.
أنت تتعامى عن حقائق الدنيا ... أيدلوجيتك تعميك عن سنن الكون.
المصلحة .. المصلحة .. المصلحة.
قل لي ما المصلحة بمنطق و حيادية و أنا اصدق على كلامك.
و لكن لا تخبرني عن شخص يحمل سلاحا و يصرف أموالا و يتحمل أعباءا لأنه ملاك أو شيطان فأنا إنسان عاقل ولا أحب الخرافات.
لا تقل لي أن إسرائيل هي دولة بنت مجنونة و ستحاول ضرب السد العالي بالصواريخ فقط لأنها دولة شريرة حقيرة تريد الأذى للجميع.
كلمني كلاما منطقيا ..
إسرائيل .. دولة ديموقراطية علمانية يدين أغلب سكانها باليهودية.
الهند .. دولة ديموقراطية علمانية يدين أغلب سكانها بالهندوسية.
أمريكا .. دولة ديموقراطية علمانية يدين أغلب سكانها بالمسيحية.
ما الفارق ؟
كل دولة ديموقراطية من دول تتبع سياسات تؤمن و تسعى خلف مصالحها حسبما تستطيع و تملك من نفوذ و قوة سياسية و عسكرية.
هكذا الدول ..
لا يوجد دولة خيرة محبة للخير و أخرى شريرة محبة للشر .. لسنا الخير و ليسوا الشر.
جميعنا بشر ..
الفارق الوحيد هو أن هناك من هو أيدلوجي منا ... يسعى من أجل الأيدلوجية مثل الإتحاد السوفيتي قبل ان ينهار و إيران و مصر عبد الناصر.
تلك دول تستطيع ان تقيم حروبا من أجل نشر ايدلوجيتها.
هناك مصر-فاروق حين حاربت لا بسبب أيدلوجية النظام بل بسبب ايدلوجية سائدة و شعبية.
لكن عبد الناصر هو الذي يستطيع أن يرسل جيوشا لليمن فقط كي ينتصر لنظام حليف ناشئ و ضعيف.
هي حرب أيدلوجية إذن ..لا مصلحة لمصر في أن تضحي بجنودها و هي دولة فقيرة و ضعيفة عسكريا من أجل مساعدة دولة بعيدة عننا.
هي الأيدلوجيا حين تتملك من حاكم و نظام فيجعلاه يتعامى عن الحقيقة.
و هذا عيب كل الأيدلوجيات في الواقع ..
الأيدلوجيا هي طرح جاهز و متكامل يجعلك لا تهتم بالواقع طالما لديك أيدلوجيا لتفكر بها.
دولة مثل إيران كانت تستطيع ان تمول حركات إنقلابية في دول أخرى بعيدة فقط من أجل الأيدلوجية.

الدول الأيدلوجية تستطيع أن تكون متهورة و غير واقعية دائما.
دولة مثل الإتحاد السوفيتي كانت تستطيع أن تفهم انها لا تستطيع مجاراة أمريكا في الصرف العسكري و لا المنح للدول الحليفة و لا في برنامجها الفضائي و لكنها تعامت من أجل الأيدلوجية.
كانت تستطيع أن تقوم بتعديلات في إقتصادها و لكن الأيدلوجية ظلت سائدة بالحديد و النار حتى أتى جورباتشوف ليفككها.

أقول مرة أخرى ... النظام المصري مثلا بلا أيدلوجية في الحقيقة.
هو يدعي العروبة من أجل مغازلة الجماهير و لكنه ليس كذلك.
و لكنه يخاطب الجماهير بما يعبئها أيدلوجيا ضد العالم و النظام نفسه.
هم أغبياء.
لا يستطيعوا ان يكونوا براجماتيين و غلا تنازلوا عن الحكم.
للأسف الأيدلوجية تعطي شرعية للحكم ..
الشيوعية فعلت و الإسلام فعل و القومية العربية أيضا و الإشتراكية العربية كذلك.
أزمة الحكم في مصر أنه تخلى عن الأيدلوجية و عن الديموقراطية في نفس الوقت مما يجعله حكما بلا شرعية (على فرض إعطاء الأيدلوجية شرعية) ..
الحكم في مصر لا يتبع إلا الإنتهازية السياسية ... هو حكم بلا أيدلوجية أو شرعية و يلعب على كل الحبال و يشد على الأوتار.
فهو يلتزم بدعم سلع الضروية مع تخفيض الدعم قليلا قليلا تارة ثم بصورة فجة الآن.
فهو ملتزم بمجانية ظاهرية للتعليم مع الحفاظ على الأمية و الدروس الخصوصية و تعليم معبأ أيدلوجيا و منعزل سوقيا و رجعي قيميا.
فهو نظام لا تستطيع ان تدعوه إشتراكي و لكنك لا تستطيع ان تدعوه رأسمالي بصورة صحيحة.
لا تستطيع أن تدعوه علمانيا و لكنك لا تستطيع أن تدعوه إسلاميا كالسعودية أيضا.
لا تستطيع أن تدعوه عروبيا كسوريا و لكنك لا تستطيع أن تقول انه لا عروبي كذلك.
هو نظام لا شمولي لا ديموقراطي لا إشتراكي لا رأسمالي لا علماني لا إسلامي لا عروبي و لا وطني.
هو نظام ولا حاجة ... بلا هوية.
مجرد نظام إنتهازي آخر يعلم مواطنيه كيف يكونوا إنتهازيين و فهلوية و بتوع تلت ورقات و يلعبوا بالبيضة و الحجر.
هو مجرد نظام إنتهازي وصولي هدفه لا الثبات على المبدأ كنظام عبد الناصر بل الثبات في الحكم.
هو مجرد نظام حقير لا يؤمن بايدلوجية و لكنه يملرس عبأ أيدلوجي ضخم على ضمير المصريين مما سيؤدي لإنهيار قيمي في النهاية.
في النهاية سينهار المصريين قيميا حين يعرفوا إلي أي حد تم خداعهم بشعارات غير حقيقية سيفقدوا إيمانهم بكل ما له قيمة و بكل غالي و نفيس نعتز به.

ياااااااااااااااه ..
من كتر ما تغنت الأنظمة بالوطن فقد المصريون الإيمان بالوطن كقيمة حلوة في حياتنا.
تجد المصري لا يعبأ بمصر و من يكلمه عنها يشعر و كأنه بيغني عليه.
الأيدلوجيات سحقتنا جميعا.
سحقت أهم رابط يجمعنا هنا على هذة الأرض .. الوطن.
سحقت مصر.
حبيبتي و مليكتي.
مصر من اجل الأيدلوجية ..
مصر من أجل العروبة ..
مصر من اجل الإسلام ..
مصر من أجل ... و ليس .. من اجل مصر
لقد كفر المصريون بمصر بسبب ضغط أيدلوجي ضخم سحقهم و أثقل كاهلهم.
كل هذا بسبب الأنظمة الأيدلوجية و السياسات الأيدلوجية.
علينا ان نهتم بأنفسنا أكثر و نعلي من شأننا أكثر.
فسحقا لكل الأيدلوجيات التي تجعل مصر و المصريين عبيدا لها و يعملون من أجلها.
أنا أحب بلدي و لا أريد لها مذلة أو إنحناء .. فهل هذا كثير ؟
أرى الأيدلوجية هي سوط ضخم يستخدمه نظام إنتهازي بلا أيدلوجية لكي ما يسيطر علينا و يسحقنا.
يربي لدينا خوفنا من العالم لكي نحتمي به.
********* صدقني *********
مثل أم تخيف أبناؤها من الناس و العالم لكي لا يجد غيرها يتمسك به.
النظام يخيفنا من أمريكا و إسرائيل و الغرب و الشرق و الشمال و الجنوب .. فقط كي نرتمي في أحضانه القاسية هاربين من عالم وهمي يتربص بنا.
نظام خبييييييييييييييث و حقيييييييييييييير و دنييييييييييييء ...
يلعب بعواطفنا و يتبع معنا هذا النظام الأبوي بكل دناءة مستخدما أيلدلوجياته لإكتساب شرعية يفقدها في الحقيقة بسبب ممارسات انتهازية بلا هوية أو إلتزام أيدلوجي حقيقي.
هناك أيدلوجيات بعينها هي التي علينا التمسك بها فقط ..
الوطن .. الديموقراطية .. العلمانية .. التعددية.
ألخص هتلك العقائد في : الإنسان و مصلحته و حريته و عقله.
فليكن هذا ما نؤمن به لنبني أنفسنا و بلداننا.
و ليس الإسلام أو المسيحية أو العروبة أو الإشتراكية أو الراسمالية هي التي تستحق أن نجمع عليها.
ليس الإنسان في خدمة الأيدلوجية بل الأيدلوجية في خدمة الإنسان.
ليس الله هو المهم أو النبي أو إبن الله أو الزعيم أو القائد ... بل الوطن و المواطن و بس.
و سحقا للأيدلوجيات كلها.
-

-

-

-
أما عن كونك لا تؤمن بقومية تقوم على العنف و التوسع (أرض العرب للعرب) و يحضرك الوحدة التي أرادتها المانيا-بسمارك أو ألمانيا-هتلر كمثال فأنا أفهم عما تتكلم و لكني لن أطيل عليك في موضوع القومية و العروبة على أنني سأفتح موضوعا بهذا الخصوص قريبا ..

و تحياتي لك