ألف شكر لك يا نادين أنك قد لفتي نظري لهذا الموضوع ولولا أنك أخبرتيني لما كنت ظننت أني معني بالحوار هنا. هذا ليس لأني لا أريد أن أشارك في موضوع لـ "العاقل" ولكن لأن موضوع الردة هو موضوع شخصي باعتباري مرتد عن دين الإسلام ولا أخفي هذا بل أعتز بارتدادي عن دين الإسلام وأعتبرها نقلة كبيرة وللأمام في حياتي.

عندما نتحدث عن موضوع العاقل فموضوعه ممتاز كشخصه. العاقل ليس أي شخصية عادية وقد راقبته من البداية. في البدء، قلت لابد أنه سعودي سلفي "من إياهم" ولكني راقبت حواراته مع "الختيار" صديقنا ولفت نظري شيء غير مألوف بالمرة وهو أن العاقل لديه استعداد لمراجعة أي قناعات وأن يتطور وفعلا كان يقر وقتها لـ الختيار بأنه نجح في تعديل أو تصحيح بعض المفاهيم. بصراحة زاد احترامي بشدة وقتها ومنذ ذلك الوقت لـ "العاقل" واعتبرت معرفته كنز فالاستعداد لمراجعة الأفكار والتطور هي سمات لا يتصف بها أي إنسان بسهولة. في الوقت الذي كان ينمو فيه العاقل على هذا النحو، قمت أنا أيضا وعملت شيء له إشارة "تنبوءية" وربما "نبوية" وهو أني أخذت مجموعة كتب كانت قد جائتني كهدية من جامعة لاهوتية إنجيلية محافظة وهي جميع آثار الواعظ الإنكليزي سبرجن Charles Spurgeon وذهبت لمحل الكتب المستعملة واستبدلت هذه الكتب المسيحية الوعظية بكتب رأيتها أنفع علماً وهي مجموعة "قصة الحضارة" لـ ويل ديورانت وبدأت أنجذب وبشدة لكل أفاق العلوم الإنسانية اللبيرالية وخارج الإطار الفكري المحافظ. ومنذ ذلك الحين وأنا أسعى نحو سماع جميع الأفكار والأراء ولا أقطع بصحة أي شيء لمجرد أن هناك جماعة من أولياء الله سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين يقطعون بصحته وإنما هناك حاجة ماسة للتحقق والاقتناع بهدوء ودون غضب.

العاقل يعرض الإسلام كما يريده ولا ألومه فالإسلام هو قدر المجتمعات العربية وجزء لا يتجزأ من تكوينها وثقافتها وبنيتها؛ ومن الذكاء بمكان تهذيب النمرة وترويض ما هو شرس وإصلاح ما يمكن إصلاحه. كلنا نعمل هذا بشكل أو بآخر. لكن من غير المقنع لي بالمرة أن يقول أحدنا أن حكم الردة بكل همجيته وبربريته قد جاء من أحشاء فتاوى المشايخ وأن محمداً كان يتقبل فروق الرأي برحابة صدر. كيف يكون محمد إذن؟! في تاريخ محمد هناك الكثير من أحداث الاغتيال لمن خالفوه أو أنشدوا شعراً بحقه رأى أنه يقوض من سلطانه وسلطته في جزيرة العرب. والتاريخ يعيد ذاته. يشعر مسلم مغربي في هولندا أن تيو فان جوخ يمثل خطر على الإسلام بسبب انتاج هذا الفيلم فيقوم بالتخلص من تيو فان جوخ واغتياله مثلما فعل محمد سابقاً. مادام الإسلام منتعش كدين، فحتما ستظل "الروح الإسلامية" كما هي على مر العصور ولو بعد مليون سنة من الآن. لذلك نسعى في البحث الحثيث عن "الباروكة" لتغطية الصلعة عن القرعة وعن أكبر كم من المساحيق والماكياج لتجميل القبح في الإسلام فتارة نستخدم مصطلحات الحداثة وما بعد الحداثة والبنيوية والتفكيكية إلخ ونلصقها عنوة بالإسلام وهمنا الأكبر هنا هو تجميل الإسلام لأنه قدرنا وما باليد حيلة، [وكدة كدة لازق فينا].

لكن الإسلام سيظل دائما حي بروحه الحقيقية وسنجد إما إسلام الشعب وهو الدين الفلكلوري ببساطته وجماله وحلاوة المولد ولحمة العيد الكبير إلخ وإسلام آخر وهو إسلام النصوص القرآنية والذي ينبعث من جديد في "صحوة" ويحمل ما نراه ولا يسرنا ونحاول إما رفضه بأن نلحد أو ندخل المسيحية أو نصبح من مدرسة شحرور أو ما شئنا من شتى أطياف الوجدانية. ولذا أقول، شتان بين الأفق الرحب الإنساني الجميل الظاهر في صديقنا العاقل وبين ما عليه الإسلام الحقيقي وأرفضه دون اعتذار.

مودتي للجميع.