الحكمة لا ترتدي العبارات المنمقة بالضرورة ، فهي ترتدي أسمالا بالية أحيانا ، رغم ذلك تبقى ثمينة و متألقة كالماس ، و صديقي قطقط لا يمتلك ديوانا للشعر في انامله ،لا و ليس له قاموس لا ينضب من العبارات الرنانة الموحية ، رجل بسيط حكيم أحيانا و أحيانا كأبي الهول بلا أسرار لهذا أحبه .
و حكاية إيمان قطقط زي إيمان العجائز .
رغم اني لا أشاركه هذا الإيمان و لكني أتأثر به .
كما كنت أشاهد خالتي وهي توقد شموعا لمارجرجس وهي مسلمة .
و كما كنت اتأثر بأم صديق لي مسيحي كانت لا تغير المحطة عندما يذيع القرآن لأنه بركة !.
قطقط يذكرني دائما بالقبطي الخلوق ، نموذج كان شائعا بيننا قبل أن يهاجر الأقباط إلى الكنائس و يختفون عن الأبصار ، و يذكرني على الخصوص بمهندس كان ضابطا في الإحتياط قابلته عام 1967 ، و بينما كنا في قمة النشوة بالإنتصارات الرائعة التي يحرزها أحمد سعيد بميكروفنه ، كان دائما حزينا ، حتى فوجئت به يستوقفني بعيدا عن الباقين ،و يقول في صوت خفيض بأن هذا كله يذكره بهزائم 1956 ( كانت أمجادا !) ،و أنه يخشى أن تكون هناك هزيمة أو كارثة في الطريق ، لست أدري لم استودعني مخاوفه ، و لكنه ربما شعر أني لن أشيع حديثا خاصا ، و هذا ما حدث فلم أخبر أحدا بتلك الهواجس التي كانت تذهب بصاحبها إلى المعتقلات الناصرية ، انتهت الحرب بكارثة و عاد الرجل إلى حياته المدنية ،و لكنه قبل أن يمضي بينما كنت أودعه و أحمل معه بعضا من حقائبه إلى السيارة البعيدة نوعا ،توقف الرجل في الطريق و طلب مني أن أتحكم في حماسي و أنه سيكون حزينا لو قادني الحماس لأكون ضحيته ، اليوم اتذكره و أقول لنفسي ، ربما يكون العقل ليس إنعداما في الوطنية ، بل وطنية حقيقية إلى حد التفكير ، فما أسهل ترديد الشعارات ،و ما أصعب ألا نرددها , و نحاول أن نفكر لأنفسنا و لشعوبنا .