هذه مسودة قانون للطفل والأسرة إما أنها تُدخل تعديلات على قوانين موجودة بالفعل مثل أن ترتفع بالحد الأدنى لسن زواج البنات إلى 18 عاماً بدلاً من 14 عاماً في القانون الحالي ، أو تغل أيدي الأباء أن يؤذوا أبناءهم بدلاً من قانون حالي أكثر عمومية في مفهوم الإيذاء ، أو أنها تستحدث أوضاعاً قانونية جديدة مثل الاعتراف بنسب أمومة أبناء الزنا مع اختيار اسم وهمي لخانة الأب .

قوانين ظاهرها الرحمة وباطنها الرحمة ، تعطي للبنت المصرية فرصة أن تبلغ مبلغاً من النضج العقلي والعاطفي يمكنها أن تستوعب معنى الزواج والحياة الزوجية قبل أن تباشرهما ، وتضع عن الطفولة المعذبة إصرها والأغلال التي كانت عليها تصدياً لسلطة الأب وجبروته بالنسبة لأبناء الزواج وتأهيلاً لحياة سوية عادية بالنسبة لأبناء الزنا .

ورغم ذلك ، رغم كل معاني الرحمة والتمدين في مسودة القوانين هذه ، أرجوكم تابعوا موقف "الشارع" المصري منها ، تابعوا المعارضة التي ستواجه بها هذه القوانين ولن تجدوا أي صعوبة في استنتاج حقيقة مرة مرارة العلقم مفادها أن حكومة ديموقراطية في مصر ما كان بإمكانها أن تمرر هذه القوانين ، كلا بل أنني أتوقع أن تجد الحكومة الحالية (وهي ديكتاتورية أساساً) صعوبة بالغة في تمريرها ، وربما دخلت في مساومات وقدمت تنازلات لتصل إلى صيغة يؤمل منها أن تكون توافقية وأقل "إيذاءً" لمشاعر الرأي العام المرهفة .

مناسبة أخرى ستكشف لنا (كما كشفت مناسبات سابقة) حقيقة مؤلمة : الدولة المصرية (بما فيها حكومة الحزب الوطني) أكثر رقياً وتحضراً من شعبها .