العلمانية الهادئة :
Array
وما علاقة كل ذلك بمفهوم العلمانية يا سادة !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!<_<
:Asmurf:
[/quote]
مراد وهبة*: إشكالية المقدس
مجلة الديمقراطية المصرية : 1/4/2006
إذا كانت الإشكالية تنطوي على تناقض فالسؤال إذن:
ما هو التناقض الكامن في المقدس؟.
بيد أن هذا السؤال يستلزم سؤالا:
ما المقدس؟.
أظن أن العالم الفرنسي إميل دوركايم(1858-1917) هو أول من تناول مفهوم' المقدس' في كتابه المعنون' الإشكالية الأولية للحياة الدينية'(1915) إلا أنه قد تناوله في إطار مفهوم آخر هو مفهوم' التابو'. وهذا اللفظ بولونيزي الأصل وهوtapu ومعناه' المقدس' من جهة و'الممنوع والخطر' من جهة أخرى. ويقال إن التابو هو أقدم قانون غير مكتوب; إذ هو أقدم من الدين, ولهذا تضاربت الأقوال في شأن الغاية من نشأته.
قيل أولا إن الغاية من نشأته حماية الرؤساء والكهان من أي ضرر.
وقيل ثانيا إن الغاية من نشأته حماية ظواهر الحياة مثل الميلاد والزواج والوظائف الجنسية وحماية الجيش من بطش الآلهة والأرواح.
وقيل ثالثا إن الغاية من نشأته إزالة خوف الإنسان من القوى الشيطانية. والدليل على صحة هذا القول الثالث هو ما تشتمل عليه لغات جنوب شرق أفريقيا من ألفاظ عديدة هي من قبيل التابو. فالحيوان المفترس لا يذكر باسمه, إنما يذكر بأسماء أخرى. الأسد, مثلا, يسمى' سيد المدينة' بدعوى أن نطق الاسم الحقيقي وهو' الأسد' ينطوي على قوة سحرية من شأنها اندفاع الأسد نحو ذلك الذي نطق باسمه.
ومع نشأة الأديان تحول التابو إلى المقدس. وهنا يثار السؤال المؤجل الذي جاء ذكره في بداية هذا المقال:
ما المقدس ؟
إذا كان التابو هو أمر مطلق ولكن بالسلب لأنه يمنع الإنسان من فعل ما فإن المقدس هو أمر مطلق ولكن بالإيجاب لأنه يحث من يلتزم به إلى تأدية فعل ما حتى ولو كان ضد القانون الدنيوي. ومن هنا تنشأ إشكالية المقدس, أي دخول المقدس في مجال التناقض من حيث إن الإنسان في حالة المقدس يكون محكوما به, ولكنه في حالة الدنيوي يكون حاكما له, ومن هنا يقول دوركايم:' تتسم المعتقدات الدينية كلها, سواء البسيط منها أو المعقد, بخاصية مشتركة, إذ هي تفترض تصنيفا لكل الأشياء- الواقعية والمثالية- إلى مجموعتين متعارضتين يشار إليهما بلفظين متمايزين وهما: المقدس والدنيوي. وقسمه العالم إلى هذين المجالين: أحدهما مقدس والآخر دنيوي, هي السمة المميزة للفكر الديني أيا كان. ومن شأن هذه السمة أن تدخل الإنسان نفسه في تناقض مع نفسه ومع المجتمع.
والسؤال إذن:
هل في الإمكان رفع هذا التناقض الكامن في المقدس ؟.
وفي صياغة أخرى:
إذا كان المقدس ملازما للدين, وإذا كان المقدس ينطوي على تناقض فهل يمتد هذا التناقض إلى الدين؟
بيد أن هذه الصياغة تثير سؤالا:
ما الدين ؟.
في تقديري أن الدين له معنيان:
المعنى الأول: الدين إخبار وبيان, وما على المستمع بعد ذلك إلا الاختيار بين الإيمان واللا إيمان فإذا آمن فبها ونعمت. الدين إذن, بهذا المعنى, إيمان.
والمعنى الثاني: الدين عقيدة بمعنى تحول الدين إلى' دوغما', أي إلى أصول وطقوس وهما ثمرة إعمال العقل في الإيمان, وما على المؤمن بعد ذلك سوى الالتزام وإلا فإنه يتهم بالكفر والإلحاد.
والسؤال بعد ذلك هو على النحو الآتي:
أين يقع التناقض في كل معنى من المعنيين ؟
وكيف يمكن رفعه ؟
إذا كان الدين بمعنى الإيمان فالتناقض هنا مسألة ذاتية تخص المؤمن ذاته في مواجهته الحياتية مع ما يخالف إيمانه. وهو في هذه الحالة أمام اختيارين: إما أن يعتزل الحياة فيندفع نحو التصوف وإما أن يرفض الاعتزال فيصاب بإحساس الوحدة ومن ثم يتحمل أن يكون وحيد زمانه.
وإذا كان الدين بمعنى العقيدة فالتناقض عندئذ لا يخص المؤمن وحده, إنما يخص أصحاب العقيدة الواحدة. وهنا يجد هؤلاء أنفسهم في حالة تناقض بين عقيدتهم المطلقة من جهة وبين نسبية الواقع الحي المتغير.
والسؤال إذن ؟؟
هل في الإمكان رفع هذا التناقض ؟.
ثمة طرق ثلاثة:
الطريق الأول يقوم في تحويل الحياة برمتها إلى المقدس, أي إلى أمر مطلق بالإيجاب. وعندئذ يحدث صدام حضاري بين المقدس والدنيوي لأن مسار الحضارة هو لصالح الدنيوي.
والطريق الثاني يكمن في تجنب الصدام وذلك بتحويل المقدس إلى' غيتو'.
وأظن أن كلا من الطريقين سيء لأنه يدخل المقدس في أزمة قد تفضي إلى أزمة هوية للمقدس ذاته.
يبقي الطريق الثالث وهو طريق مشتق من التناقض الكامن في المعنى الثاني للدين, وهو التناقض بين المقدس الملازم للعقيدة الدينية وبين الدنيوي الملازم للحياة الاجتماعية أو السياسية. فهنا المقدس مطلق والدنيوي نسبي. ومعنى ذلك أن التناقض, في المعنى الثاني للدين, هو بين المطلق والنسبي.
والسؤال إذن:
هل في الإمكان رفع التناقض بين المطلق والنسبي ؟.
في تقديري أن العلمانية هي الوسيلة إلى رفع هذا التناقض وذلك في إطار تعريفي لها بأنها' التفكير في النسبي بما هو نسبي وليس بما هو مطلق', وحيث إن الحياة الاجتماعية أو السياسية هي ممارسة نسبية فلن يكون أمامنا سوى وضع النسبي في إطار ما هو نسبي وليس في إطار ما هو مطلق, الأمر الذي يستلزم تذوق الدين بالمعنى الأول, ورد الدين بالمعنى الثاني إلى الدين بالمعنى الأول, وبذلك يتفرغ الإنسان من حيث هو حيوان اجتماعي أو حيوان سياسي لمواجهة تناقضات الحضارة الإنسانية في محاولة لرفعها رفعا نسبيا من أجل دفع هذه الحضارة في مسار التقدم بأقل قدر من النتوء.
وتأسيسا على ذلك يمكن القول بأن ما يحدث من صدام الآن بين الغرب والشرق مردود إلى أن الغرب يتقدم في إطار العلمانية على نحو تعريفي لها, في حين أن الشرق يتخلف بسبب غياب العلمانية. وفي هذا الإطار ليس ثمة مبرر للحديث عن حوار حضارات أو حوار أديان, رغم أن كلا من الحوارين لا يمس مسألة الصدام الراهن. فحوار الحضارات يمنح' خفية' مشروعية' التخلف' بدعوى ندية الحضارات. وحوار الأديان يعطي' خفية' مشروعية' التعصب' لكل عقيدة داخلة تحت مظلة هذا الحوار. ولا أدل على ذلك من أن هذه الحوارات دائرة منذ الأربعينيات من القرن الماضي ومازال الصدام يتصاعد ولا أحد يتساءل عن مدى صحة هذين الصنفين من الحوار.
أما الصنف الثالث من الحوارات فهو الحوار بين الثقافات من جهة, والحضارة الواحدة من جهة أخرى. وأظن أن هذا الصنف من الحوار هو المطلوب لأنه حوار بين ثقافات نسبية وحضارة واحدة نسبية لأنها متطورة, والتطور يتسم بالنسبية. وتكون الغاية من هذا الحوار مدى تخلف أي من الثقافات عن الاندماج في مسار الحضارة الواحدة. وفي هذه الحالة تتعاون الثقافات المتقدمة في إزالة التخلف عن هذه الثقافة أو تلك. وذلك بدفعها إلى ممارسة النقد الذاتي بلا لوم أو تثريب.
* مفكر مصري وأستاذ الفلسفة بجامعة عين شمس
|