عيون واذان («بيع الأردن»)
جهاد الخازن الحياة - 28/04/08//

لا أزور بلداً عربياً الا وأجد أن هناك قضية محلية تزاحم النزاع مع اسرائيل وأسعار النفط الجميلة والحرب على العراق، وربما تسبقها في اهتمامات الناس. في مصر كان كل حديث ينتهي بجدل «التوريث»، وفي لبنان الموضوع هو الرئيس، وفي الكويت انتخابات البرلمان على رغم انف مؤتمر دول جوار العراق.

كنت في الأردن الأسبوع الماضي وكانت القضية الغلاء، فالكل يشكو والأسباب حقيقية يلمسها الناس في حياتهم اليومية، وما لا خلاف عليه هو ان الغلاء ضرب العالم كله، وأهمه غلاء مواد الغذاء الأساسية من قمح ورز وسكر، وحتى الفاكهة والخضار، وهذه عادة من انتاج محلي.

كنت رأيت رئيس وزراء الأردن السيد نادر الدهبي في مناسبة اجتماعية، واغتنمت الفرصة لسؤاله عن بعض المواضيع الأردنية والمشاكل الاقليمية على رغم الضجيج حولنا. وهو تكرم بدعوتي الى غداء معه في اليوم التالي دعا اليه بعض الزملاء من الصحافيين الاردنيين الكبار، وأيضاً الأخ ناصر جودة، وزير الدولة لشؤون الاتصال والإعلام، واستفدت من نقاشهم مع رئيس الوزراء لأنهم يعرفون الأوضاع الداخلية والقضايا الثنائية للأردن أفضل مني.

البداية لم تكن عن الغلاء، وانما عن «بيع الأردن»، فالحكومة الأردنية تتلقى عروضاً مغرية لبيع معالم معروفة في عمان وغيرها، مع هجمة الاستثمارات الخارجية، خصوصاً العربية، على البلاد. وهناك حديث عن بيع المدينة الطبية والمدينة الرياضية، مع أرض الميناء الحالي في العقبة وأراضٍ على شاطئ البحر الميت.

الرئيس الدهبي رد بصبر ووضوح، وأكد مرة بعد مرة أن ما سيباع سيبنى أفضل منه وأكبر وأحدث. وما استطيع ان أزيد من عندي عن الموضوع هو أن الفورة الهائلة في أسعار النفط وفرت أموالاً ضخمة للاستثمار. والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لا يشجعان الاستثمارات العربية، بل يسعيان الى وضع شروط عليها، ما جعل المستثمر العربي ينكفئ الى الداخل. والمؤسف أن هذا المستثمر «الاستراتيجي» يفضل أن يضع ماله في الحَجَر ويقدمه على الاستثمار المنتج، وعلى الفكر والبشر، فهو يشعر بأمان أكثر مع بناء، خصوصاً اذا اتسع وعلا. وما أستطيع أن ازيد ايضاً هو ان واجب الحكومة الأردنية، أو أي حكومة عربية في مثل هذا الوضع، أن تحيط عملية البيع بشفافية كاملة، وأن يعرف المواطن أين تذهب الأموال الداخلة على البلد، وهل تنفق في ما يفيد الاقتصاد الوطني.

في الأردن اليوم مكافحة الغلاء هي قضية الساعة، ورئيس الوزراء مؤهل تماماً لذلك، فسجله في العمل مطمئن بعد أن أدار بنجاح كبير الخطوط الملكية الأردنية ووزارة النقل وسلطة اقليم العقبة.

الحكومة الأردنية ألغت الجمارك على الواردات من مواد الغذاء الأساسية، وفاوضت كبار المستوردين على تحديد نسبة ارباحهم. وأيضاً وضع سقف لربح تجار المفرق، كما أن مجمعات البيع التي تشرف عليها الحكومة ستكتفي بتغطية نفقاتها من دون ربح، لتوفير المواد للمستهلك بأدنى سعر ممكن.

أرجو ان تنجح خطوات الحكومة الأردنية، مع تقديري أن الوضع صعب جداً، لأن الغلاء مشكلة عالمية تسببت في تظاهرات واضرابات في عشرات البلدان، وقد سقط قتلى وجرحى في كثير منها. ولاحظت ان الغلاء في الأردن لم يتسبب في مشاكل حتى الآن، مع أنني أذكر انه عندما رفعت حكومة أخينا عبدالكريم الكباريتي عام 1996 سعر الخبز قروشاً قليلة وقعت أعمال شغب في مدن عدة.

قتلنا الغلاء بحثاً من دون أن نقتله وانتقلنا الى القضايا الاقليمية والدولية، وسألت رئيس الوزراء تحديداً عن العلاقات مع سورية، وغياب الأردن عن القمة العربية في دمشق حيث مثلها سفيرها لدى الجامعة العربية، وهو قال ان العلاقات جيدة، ومفاوضات الحدود مستمرة والمشاكل الأمنية السابقة تراجعت. وقد شرح الأردن أسباب الغياب عن القمة ورئيس الوزراء يأمل بأن يكون الإخوان فهموا العذر.

بعض الزملاء قال لي بعد الجلسة ان رئيس الوزراء كان ديبلوماسياً، وشكا من ان الملك عبدالله الثاني زار سورية أربع مرات من دون أن يرد الرئيس بشار الأسد الزيارة.. ومن أن محادثات ترسيم الحدود تسير ببطء على رغم الاتفاق عليها منذ ثلاث سنوات وسد الوحدة على اليرموك من دون ماء منذ سنتين. الا انهم جميعاً أكدوا ان العلاقات مع سورية أفضل كثيراً مما كانت في مطلع هذا العقد.

كنت في الأردن في زيارة خاصة، غير ان الجلسة مع رئيس الوزراء حفزتني على رؤية أصدقاء آخرين، بينهم اثنان من رؤساء الوزارة السابقين ووزير سابق، وانطباعي بعد كل ما سمعت في عمان، بالإضافة الى معلوماتي من عواصم عربية أخرى، هو أن الأردن بدأ يأخذ دور سورية في «التحالف» مع مصر والمملكة العربية السعودية.

هذه الدول الثلاث تريد من الرئيس جورج بوش أن ينهي زيارته للشرق الأوسط في الشهر المقبل بانجاز، أو لا يأتي. وأهم من ذلك انها تحاول تنسيق المواقف بينها لتعزيز الموقف العربي العام، وحتى لا تفاجئها اسرائيل باجراءات لا تتوقعها. وهناك من لا يستبعد ان تتخلى اسرائيل فجأة عن قطاع غزة لمصر، وتغلق حدودها مع القطاع وتحصنها فلا يبقى له سوى مصر مخرجاً وملاذاً، وحتى عن بعض الضفة للأردن من دون أن تخلي المستوطنات، ومع البقاء الأمني في الاغوار.

لعل اسرائيل تعتقد بأن غيابها سيطلق حرباً اهلية فلسطينية، ولعلها تنتظر أن يكون الرد الفلسطيني والعربي فاشلاً ككل رد سابق. مع الغلاء وكل قضية أردنية أخرى، القضية الفلسطينية قضية أردنية داخلية.