عيون وآذان (أتهمهما بالتفريط بالوطن)
جهاد الخازن الحياة - 10/05/08//
أخبار لبنان انتقلت من محطات التلفزيون اللبنانية والعربية الى الشبكات العالمية، ما يعني أن الوضع سيئ او سيئ جداً، فالأخبار لا تستحق اسمها إذا لم تكن أخباراً سيئة (نسمع أن زلزالاً وقع وقتل ألف شخص، ولكن لا نسمع، أو نقرأ أو نرى، ان زلزالاً لم يقع ولم يمت ألف شخص).

بما أنني من قلة مع لبنان قبل أن أكون مع الحكومة أو حزب الله، فإنني أدين الحكومة والمعارضة، وأتهم الطرفين بالخطأ وبإقحام البلد في ما قد يتحول الى أتون حرب أهلية ثانية والجروح لم تلتئم بعد من الحرب الأخيرة.

لا أفهم من ورّط حكومة فؤاد السنيورة لتتخذ القرارات التي أعلنتها الثلثاء الماضي واعتبارها شبكة الاتصالات التي أقامها حزب الله غير شرعية واعتداء على أمن الدولة، وإدانتها كاميرات المراقبة على المدرج 17 المخصص للطائرات الخاصة في مطار بيروت.

أمر الشبكة والكاميرات معروف منذ زمن والحكومة نفسها أشارت إليه في السابق، ثم اختارت ان تقرر موقفها عشية إضراب عمالي معلن، فكأنها تريد ان تعطي خصومها ورقة ضدها، او كأنها تريد التصعيد، اعتقاداً منها أنها تستطيع أن تفوز بالمواجهة.

أحداث الساعات الأربع والعشرين الماضية تثبت ان الحكومة أخطأت، إلا ان الأحداث تُظهر ان حزب الله (ومعه أمل) أخطأ أكثر من الحكومة، والسلاح في يد الحزب يجب ان يبقى موجهاً ضد العدو الإسرائيلي.

الهجوم على مرافق البلد، وتحديداً الاعتداء السافر على وسائل إعلام الحكومة نقطة سوداء تسجل على حزب الله، ولن يستطيع السيد حسن نصر الله مهما أوتي من قوة الحجة ان يزيل الانطباع بأنه لجأ الى العنف ضد تلفزيون وجرائد كأنه يخشى ما عندها، أو كأنه يثبت حجة أميركا وإسرائيل ان حزب الله منظمة إرهابية لا يمكن الاتفاق معها.

أنا أقول ان حزب الله حركة تحرر وطني، إلا انني أقول ايضاً ان تأييدي كمواطن عادي هو، فقط، ودائماً، ضد اسرائيل، إلا انه لا يمكن لمواطن يحب بلده ويقدم مصلحته ان يؤيد استعمال السلاح داخل البلد.

الأمين العام لحزب الله هدد بقطع ايدي من يتعرض للمقاومة ويبدو ان القرار 1701 الذي أغلق جنوب لبنان في وجه حزب الله، جعله ينكفئ نحو الداخل، أو الجانب الأضعف.

إذا كنت أنا أكتب هذا الكلام، وقد أيّدت الحزب ولا أزال، فإنه يعني ان حزب الله فقد تأييد كل مواطن غير حزبي في لبنان والخارج. وكم يختلف الوضع اليوم عنه بعد صيف 2006 عندما كانت صور السيد في كل عاصمة عربية، وقد رأيتها في أحياء القاهرة، ثم رأيتها تنزل وتهمل.

أخطر من كل ما سبق ان موقف الحكومة السيئ وموقف حزب الله الأسوأ منه أطلقا سجالاً طائفياً، والمفتي محمد رشيد قباني قال ان السنّة مستهدفون والمراجع الشيعية ردت برفض «إقصاء طائفة». وإذا كان التلاسن بين رموز الطائفتين فماذا ينتظر من العامة؟

هل الحرب التي أشار إليها سماحة السيد هي هذه الحرب الأهلية الآتية بين السنّة والشيعة في لبنان؟ وهل يعتقد أن أي فريق في لبنان يستطيع ان يخرج منتصراً من مثل هذه الحرب؟

ثم هذا الحديث عن الحوار، وأقصد الحوار عن الحوار، وهل يكون بين نبيه بري وسعد الحريري، وهل يستبعد منه ميشال عون أو يبقى. والسيد حسن نصر الله دعا الى حوار غير مشروط، وهو يشترط في الجملة نفسها عودة الحكومة عن قراراتها، أي قرارات أغرب ما فيها ان الحكومة اتخذتها وهي تعرف يقيناً انها لا تملك آلية تنفيذها.

كل بلد في العالم أبدى قلقه على لبنان ودعا الى استئناف الحوار بين الأفرقاء، غير ان لا بلد في العالم، أو الجامعة العربية أو مجلس الأمن الدولي، يستطيع ان يساعد لبنان اذا لم يكن اللبنانيون مستعدين لمساعدة أحدهم الآخر. وهنا نقطة أخرى، فأنا لا أفهم الحكمة من لجوء الحكومة الى الجامعة أو مجلس الأمن، أي محاولة تدويل قضية داخلية، وكلنا يعرف ان كل قضية دُوّلت انتهت بكارثة، وفي فلسطين مثل دامٍ.

كنت اعتقدت يوماً أنني أستطيع ان أكون مع الحكومة في إدارة البلد، ومع حزب الله ضد اسرائيل، غير ان أحداث هذا الأسبوع تجعلني اقول بأوضح عبارة ممكنة إنني ادين الحكومة والمعارضة وأتهمهما بالتفريط بالوطن.