من أجل صحوة مدنية لشيعة العالم العربي بوجه خطر الاستعمار الإيراني



ضياء الشكرجي



في 28/04/2008 كتبت «هل تريدنا إيران أن نقول: صدام وأمريكا كانا على حق؟»، وكان للمقالة أصداء واسعة، وقبلها في 11/10/2007 كنت قد كتبت «أيها العراقيون احذروا خطر الاحتلال الإيراني»، وفي كثير من مقالاتي ومنذ 2003 أشرت بين حين وحين إلى خطر الروح الاستعمارية لدولة ولاية الفقيه على العراق، بل وأقول اليوم خطرها على عموم المنطقة العربية.



وها نحن اليوم نشاهد بقلق كبير كيف يريد النظام الإيراني ومعه النظام السوري حرق لبنان، هذا البلد الجميل، كما حرقوا وما زالوا يحرقون العراق، وذلك بالنسبة للبنان فها هي ذي بيروت تحتللها إيران بأيد لبنانية، أعادت إلى ذاكرة الشعب اللبناني شبح الحرب الأهلية.



نحن نجد أنفسنا بين - لا أدري - هل أقول هي طائفية سنية في البلاد العربية حيث تواجد الشيعة، من خلال عقلية عروبية-طائفية، مفادها دعوى التلازم بين العروبة والتسنن، أم هو أم خوف سني مشروع من حلف لاوطني بين شيعة كل بلد من البلاد العربية والنظام الإيراني، فينعكس إما الفعل الطائفي أو رد الفعل الوقائي بصورة إقصاء وتهميش لأبناء الوطن في كل بلد من البلاد العربية المعنية من الشيعة؛ نجد أنفسنا لهذا أو ذاك السبب بين واقع التهميش للشيعة أو التوجس منهم، وبين الوهم الذي يعيشه الكثير من هؤلاء الشيعة العرب بأن إيران تمثل لهم ظهيرا، يلجأون إليه بوجه الاضطهاد الطائفي من قبل إخوانهم السنة من أبناء وطنهم، مع إن هذا لا ينطبق على مثلنا لبنان. وفي الواقع ليس مهما أن تكون البيضة من الدجاجة أم الدجاجة من البيضة؛ أي ليس مهما أن نقول أن وهم الشيعة بأن إيران تمثل ظهيرا لهم، مما جعل البعض منهم يتصرف بطريقة توحي بتبعيته لإيران، وكونه طابورا خامسا لها، مما يثير الشك حول ولاء الشيعة للوطن الذي ينتمون إليه، سواء كان العراق أو لبنان أو الكويت أو البحرين أو السعودية أو مصر؛ أن هذا هو السبب في إثارة المخاوف عند إخوانهم في المواطنة من السنة، فتنعكس هذه المخاوف كردة فعل تنتهي بالإقصاء والتهميش تارة أو بالتوجس من أي دور شيعي سياسي، مما يزيد الإحساس عند الشيعة بكونهم مضطهدين أو غير مرغوب فيهم أو متهمين، فيزدادون وهما بألا ملجأ لهم إلا إيران، وبالتالي يزدادون التصاقا بإيران، مما يثير حولهم شبهة العمالة حاشا لهم، أو يعمق تلك الشبهة، أو إن طائفية السنة، سواء كانت فعلا طائفيا مبتدئا، أو ردة فعل على فعل طائفي شيعي، أن طائفية إخوان الشيعة في المواطنة من السنة التي انعكست إقصاء وتهميشا للشيعة في بلدانهم وأوطانهم العربية، أو كما بينت توجسا وتحسسا من مشاركة سياسية لهم، هي التي دفعت الشيعة للبحث عن ظهير لهم، فاستطاعت إيران بدهائها الإيحاء لهم بأنه هي الظهير الأقوى الذي عليهم أن يتكئوا عليه ويتقووا به.



وهنا أرى أن الشيعة العرب أو لنقل شيعة البلدان العربية، حتى لو كانوا من قومية غير القومية العربية، كالشيعة الكرد والتركمان في العراق على سبيل المثال، حيث نتكلم هنا عن الشيعة العراقيين تارة، وعن شيعة عرب العراق تارة أخرى، أقول لا بد بالنسبة لعموم شيعة البلاد العربية من أن تنبعث في أوساطهم صحوات شيعية عربية أو وطنية (آنتي-إيرانية)، مدنية طبعا وليست مُتـَمَليـِشة. فإيران أصبحت قوة ذات أطماع استعمارية واضحة، تارة باسم الإسلام السياسي، وتارة باسم نصرة الشيعة والتشيع، وتارة باسم معاداة أمريكا.



نحن كعراقيين لا نستطيع الفصل بين ما يحدث في لبنان اليوم وبين كل العبث والتخريب الإيراني في العراق، والذي نجد فيه إيران تدعم النِدّين، أي القوتين السياسيتين الإسلاميتين الشيعيتين المتحالفتين تارة والمتخاصمتين أخرى، كما وتدعم - أي إيران - حتى النقيضين، كقوى تنتمي إلى التشيع الصفوي (الروافض حسب تسمية خصومهم المذهبيين)، وفي نفس الوقت قوى تنتمي إلى التسنن السلفي (النواصب حسب تسمية خصومهم المذهبيين).



ثم لا بد من أن يشعر إخواننا العرب السنة، من عراقيين ولبنانيين وكويتيين وبحرينيين وسعوديين وغيرهم، إنهم كلما همشوا إخوانهم في المواطنة والدين من الشيعة، كلما دفعوهم باتجاه إيران أكثر. كما لا بد من الشيعة أن يدركوا أنهم كلما توجهوا تجاه إيران، كلما أشعروا إخوانهم من سنة أو أتباع ديانات أخرى، بأنهم أدوات للأجندة الإيرانية على حساب مصلحة الوطن الذي ينتمون إليه. ثم ينبغي بهذه المناسبة ألا ننسى التذكير بمسؤولية قوى الإسلام السياسي، إذ ثبت باليقين القطاع، إنه أينما وجد الإسلام السياسي، وجدت على الأعم الأغلب الطائفية، وأينما وجدت الطائفية، كان تهميش الشيعة أشد، إذا كانوا أقلية أو مثلوا الموقع الأضعف في العملية السياسية، كما وكلما كان إحساس الشيعة أو لنقل وهمهم أشد بوجوب الاتكاء إلى إيران.



تبقى إيران إذن خطرا على المنطقة لأنها هي التي تغذي الطائفية السياسية، وتغذي تطرف الإسلام السياسي، وتتدخل في هذا أو ذاك البلد العربي، وتورط بعض الشيعة هنا وبعض الشيعة هناك، فتزيد من مبررات إحاطتهم بشبهة عدم الولاء للوطن، بتقديم الولاء لإيران، باعتبارها قلعة الإسلام تارة، أو قلعة التشيع تارة أخرى، وكلاهما وهمان، أو كذبتان، سقط وللأسف الكثيرون في تصديقها، وإن كان البعض غير مصدق لذلك، ولكن دعته مصالح محددة لمد يده إلى إيران على حساب مصلحة العراق، ومصلحة فلسطين، ومصلحة لبنان، ومصلحة هذه أو تلك الدولة من دول الخليج المتواجد فيها الشيعة، مع الفارق بين هذا وذاك من البلاد العربية المذكورة، فتارة يتدخل أخطبوط الاستعمار الإيراني بكذبة نصرة الشيعة والتشيع، وتارة باسم حلف إيديولوجي للإسلام السياسي، كما هو الحال في فلسطين، أو اجتماع العاملين كما في لبنان.



نحن نحتاج كعرب أو لنقل كمواطنين للدول العربية المبتلاة بالتدخل الإيراني، من أجل ألا نقع في الحبائل الإيرانية، فيتحول بعضنا من حيث لا يشعر طابورا خامسا لإيران، إلى تأكيد الولاء للوطن، والتخلص من وهم الإسلام السياسي، ووهم التشيع السياسي. كما هو مطلوب من كل من شيعة وسنة العالم العربي أن يتخلصوا من طائفيتهم، والمطلوب من إسلامييهم أن يدركوا أن إيران ليست بحامية الإسلام، وأن الإسلام السياسي الذي يحملون لواءه، إنما هو القنبلة النووية الموقوتة، التي إن انفجرت، فستدمر الإسلام والأوطان على حد سواء.