Array

كثيرا ما ألاحظ الملحد أو اللا ديني يطالعنا بعبارات مثل "السلام عليكم ورحمة العقل وبركاته" أو "نعمة العقل" أو أو أو ... باختصار، إستخدام العبارات التي تشير إلى أن العقل "مغيب" عند متبعي الديانات...


أنا عندي وظيفة ممتازة، وهم كذلك ... أنا جامعي وتخصصي علمي وهم كذلك ... أنا قرأ وأكتب، وهم كذلك!!!! .... إلخ إلخ إلخ من أي نوع من أنواع المقارنات التي قد تخطر على بالك مهما كانت تافهة ... بالآخر لا أستطيع أن أخرج بفروقات توضح فعلا أنني حمار أو غبي مقارنة بهم....

حد يوضح لي يا جماعة أنا حمار وغبي من أي جانب من جوانب كون عقلي مغيب؟

هو سؤال صادق، وبحاجة لإجابة صادقة فعلا

وهي (f) للي يجاوب بصدق
[/quote]

مبروك "الوظيفة الممتازة" يا سندي !!

أومن بأن تفكير البشر قريب من بعضه جداً، واستعمالهم لعقولهم لا يتفاوت كثيراً، ومع هذا فإنني أعتقد "بتغييب العقل" عند المتدينين. هذا التغييب لا يأتي من كون "المتدين" لا يعقل بالفطرة، ولكنه يأتي من طبيعة "الدين" الذي "يستلب العقل" و"يشله عن الحركة" (التفكير) في كل مكان تجد به نصاً من النصوص واضحاً منزلاً.

المسيحي لا يفكر طويلاً في آلية تحول الخبز والخمر إلى جسد المسيح ودمه. والمسلم لا يفكر كثيراً أمام ضرورة الصلوات "الخمس" (بل والصلاة مطلقاً) والطواف حول الحجر الأسود وصوم رمضان وامتناعه امتناعاً مطلقاً عن شرب الخمر وأكل لحم الخنزير ... إلخ.

الإنسان "العاقل" دون دين، عندما يجد مشكلة تواجهه يعمل عقله ويفكر في حل للخروج منها حسب عوامل انسانية كثيرة (منفعة، ربح، متعة، سمو، تعفف أخلاقي ... إلخ). الإنسان المتدين يذهب كي يستفتي "علماء دينه"، وهؤلاء يبحثون في نصوصهم المنزلة منذ آلاف السنين، فإن كان هناك أي نص منزل واضح يجيب على سؤال المستفتي، حتى لو خالف هذا النص العقل، فإن "رجل الدين" لن يجد مندوحة من "الخضوع للنص" وتلاوته على سمع المؤمن الذي لن يسأل بدوره كثيراً، ولكنه سوف يخبر أهله وجيرانه بأن ما سأل عنه كان حراماً أو حلالاً.

العقل في هذه الآليات لا يلعب دوراً رئيسياً، ولكنه يلعب دوراً ثانوياً هامشياً. العقل في هذه الحالات ليس الذي يؤخذ منه وليس الذي ينقل عنه، فعقل "رجل الدين" - كالكلب الباحث عن طريدة - يكمن في البحث عن "نص منزل"، حتى إذا ما وجده وكان صريحاً - مثلاً - فإن "التفكير" في "محتوى النص" لا يدخل الساحة مطلقاً عند الأغلبية العظمى من المؤمنين. لذلك ترى الشيخ أو الكاهن أو الحاخام لا يبحث أصلا ًعما يقوله "العقل" في الموضوع، ولكنه يأتيك بآية بينة وحديث شريف أو جملة من التوراة أو الانجيل كي يقول لك ما يجب عمله في حالة معينة. ولعل أية نظرة فاحصة لآلاف الفتاوي نجد أن أصحابها يذكرون "سؤال السائل" ثم يقفزون إلى "آية قرآنية" تفي وحدها بالمقام، وتكون أفضل وأجمل لو تلاها بعد ذلك "حدثنا وأخبرنا وأنبأنا عن عن عن" وكفى الله المؤمنين شر القتال.

أخيراً، في الأمور التي تسلم من "جرثومة الدين"، تجد "المؤمن" يعمل عقله ينجاعة وانفتاح (تجد هذا في الجامعة وفي العمل .. إلخ)، أما في معظم ما يتعلق بأمور الدين فإنك تجده يلهث خلف "نص قديم" يستلهمه حلاً لمشاكله، وكأن عقله أصابه شلل أو قعود عن إيجاد حل. مع أنك لو طلبت منه أن "يعمل فكره" ويتصرف دون فتوى، فلسوف تجد عنده الكثير من الحلول لكل مشكلة كان سوف يستلهم رأي "رجال دينه" فيها لو تركته يتبع ما تعود عليه.

واسلموا لي
العلماني

ملاحظة على الهامش للتفكير بهدوء: الأحكام الجزائية الإسلامية مثلاً (الرجم والجلد والجدع وما شابه) هي أحكام وحشية متخلفة فيها الكثير من بربرية الشعوب القديمة. هذه الأحكام لم تكن محرجة عندما "نزل الوحي" في القرن السابع الميلادي. ولكنها اليوم، لو لم تحمها "النصوص المقدسة" من "سلطان العقل" لعفناها وطلقناها منذ زمن (كل الشعوب التي عملت بهذه الأحكام طلقتها اليوم إلا نحن:)). ولكن ارتباطها "بالدين ونصوصه" يجعل المؤمنون يتمسكون بها رغم حرجهم، أو - في أحسن الحالات - يحاولون استعمال عقولهم من أجل تخفيفها. هنا سوف تجد الكثيرين من المؤمنين لا يحاولون التفكير في ماهية هذه الأحكام ومحتواها، فالدين يضرب حجاباً بينهم وبين عقولهم، فيذهبون إلى تبريرها بل وضرورتها كي لا يحيدوا عن دينهم. فالمهم عند المؤمن، في المسائل التي يتدخل فيها الدين، ليس ما يقوله "العقل"، ولكن ما يقوله النص المقدس. وبهذا فإن النص المقدس يغيب العقل تماماً ويفرض نفسه عليه.