حوار مفتوح مع الروائي والقاص السوري عبد السلام العجيلي في دمشق - الناقد الشرقي يهتم بالسلوك الخارجي لأبطال الرواية - منذر الشوفي
ليس من باب الصدفة ان يصف الروائي السوري وليد اخلاصي العجيلي بأنه ظاهرة ثقافية في حياتنا الادبية في العقود الاخيرة من القرن المنصرم، وهو كلمة ادبية ابداعية غنية ومتنوعة، شاعر وقاص وروائي وصحفي، اضافة الي انه عمل في قطاع السياسة فكان وزيرا وسفيرا طبيبا يعالج الناس بالادوية الي جانب الكلمة التي آمن بها كرسالة يخاطب بها الناس عبر تقنيات متعددة وفي اجناس ادبية متنوعة.
وللاديب العجيلي سبع روايات وثلاث عشرة مجموعة قصية وتسعة عشر كتابا في الملاحقات السياسية والدراسة الثقافية وله ديوان او مجموعة شعرية يتيمة في هذا المضمار وكتب المئات من المقالات والقصص في الصحف العربية والاجنبية تحت اسماء مستعارة بلغت اثني وعشرين اسما.
عبد السلام العجيلي الذي كان شاهدا حقيقيا علي تطور الحركة الادبية وذاكرة حية ويقظة تحتفظ بالكثير من الذكريات التي يتوق الجيل الشاب ان يتعرف عليها من لسان العجيلي، جلس في حوار مفتوح في النادي الاجتماعي الذي تأسس عام 1960 وفي جلسة حميمية مع نخبة من الادباء والكتاب الشعراء السوريين وحاوره الاديب والروائي السوري وليد اخلاصي.. علما بان البعض اعتبر هذا الحوار نوعا من الغزل بين صديقين قديمين وبعضهم رأي فيه حوار ذكريات لم يتطرق الي تجربة عبد السلام العجيلي القصة والرواية واكتفي في دغدغة مشاعر العجيلي ولم يرم حجرا في قاع تجربة العجيلي التي كان من المفترض ان تكون محور الحوار المفتوح.
تابعت (الزمان) هذا الحوار المفتوح وفيما يلي نص الحوار:
û وليد اخلاصي: ثلاث عشرة مجموعة قصصية وسبعة عشر كتابا في الملاحظات وديوان يتم في الشعر هل كان النقد الادبي معك منصفا ومتابعا، وهل افادك بجانب ما في مسيرتك الابداعية؟
ــ انا في بداية الامر رجل قنوع وما وصلت اليه اكثر ما استحق واكثر مما اتحمله، وهناك اناس يتجهون ويحبون ان يشتهروا وانا في الواقع اتخوف من الشهرة لانها تأخذ من حياتي ومن حريتي بالتنقل وبالعيش والمأكل والمشرب، وانا ابعد ما استطيع عن المعرفة واضطر الي ان اكون معروفا لان اشرك الآخرين الذين احبهم فيما احس به وهذه هي الطريقة الي الشهرة التي لا احبها بدأتها واكاد انفر منها، وانا بقيت سنوات طويلة اكتب باسماء مستعارة والذي عمل دراسة عني وجد انني كتبت تحت اثنين وعشرين اسما مستعارا وكلما عرف لي اسم اهرب الي الاخر، والذي يهمني ما يقال ولا من قال، والنقد استطيع ان اقول عنه بانه لم يقصر لقد كتب عني ولكني اسأل: انت لست معروفا كما الاخرين؟ اقول لهم صحيح وهذا الامر يسرني لانه خفف عني عبء المراسلة والمحاورة وهذه هي المشكلة وان يأتي من السويد والنرويج والصين من يحمل اليّ كتبي المترجمة ويريدون او اوقعها لهم طبعا هذا الامر يسرني ولكنه ينتقص من حريتي عندما اسمع كلمة ثناء، وانا لا الوم النقد ان كان قد قصر فهو اعطاني اكثر مما اتحمل.
û لن اتساءل اين تجد نفسك اكثر في القصة أم الرواية أم في الشعر أم في المقالة، ولكن اسأل اين وجدت قراءك ونقادك في جوانب ابداعك؟
ــ القراء والنقاد يختلفون بحسب امزجتهم وانا اعتقد بان كثيرا من نقادنا لا يتعمقون في ما ينظرون اليه واقارن دوما بين الناقد العربي والناقد الشرقي، فالناقد الشرقي وطبعا الرواية تحمل دائما عوالم عاطفية وغرامية فالنقاد العرب يهتمون بالمظاهر والسلوك الخارجي لعلاقة ابطال قصصي وبعضهم ينسبونها لي بينما الذي لاحظته ان النقاد الغربيين يتأملون فيما اكتبه عن نفسية المرأة البطلة ويتعجبون لذلك بينما النقاد، العرب يسألون عن علاقة البطل بالبطلة ، واعتقد بان هذا الامر هو قصور في الفهم لدي النقاد والناقد هو دليل القارئ ويجب ان يثق به ولكن للاسف فنقادنا ليسوا علي قدر كبير من المعرفة اضافة الي انهم مزاجيين.
û انت من اهم الشخصيات الثقافية التي وقفت وجها لوجه امام الجمهور محاضرا او محاورا هل تتغلب عليك رغبة الكتابة او متعة الكلام؟
ــ الكتابة عندي نوع الحين وما احدث الناس به احدث الورق واحضر كثيرا وابقي ساكتا لمدة طويلة لكن متي انفجرت انطلق واسكت الاخرين وكتابتي نوع من الحديث وانا متحدث من الدرجة الاولي وانت يا وليد تسميني حكواتي .
û هل ملأ الادب فراغا ما في حياتك، كان يمكن ان يحتله امر آخر، ام تشعر بانك الذي تملء فراغا في المشهد الثقافي؟
ــ الظروف في الواقع هي التي املت علي ان اتجه الي الادب اكثر من غيره وفي صغري كنت ميالا الي الرسم حتي عندما كنت اسافر الي اوروبا في فترة الخمسينيات كنت ارسم الناس فكان هؤلاء يقدمون لي نقودا علي اساس انني اعيش بهذه الطريقة، وعملي كطبيب في (الرقة) منعني من الرسم والكتابة سهلة علي ولذلك آخذت حياتي ولولا ذلك لربما كنت ارسم اكثر مما اكتب.
û هل وقر في روحك ايمان بانك تمتلك مشاريع ثقافية ذات للوجود في الوطن ولم تتحقق؟
ــ في الحقيقة لا افتقد اشياء لم احققها ولكن بصورة عامة وكما قلت قبل قليل بان هناك اشياء كثيرة يجب ان اقولها متعددة ولقد قلت قبل فترة ان الله يحاسب الكاتب ليس علي ما قاله بل علي ما لا يكتبه ففي الحقيقة كان هناك اشياء كثيرة كان ينبغي علي ان اكتبها وفي الحقيقة لقد كتبت وصيتي كذلك كتبت وصية سياسية ولكن بعد فترة فكرت بها وقلت بانهم سيقولون بان هذا الرجل جبان فكل هذه الاشياء كان يجب ان يقولها ولم يقلها فمزقتها (ضحكة).
û يعني الكاتب ليس مهنته اللغة ولكن مهنته الموقف؟
ــ الكاتب يجب الا يتجاوز ما هو مؤهل له، فبعض الكتاب يشتغلون بالكتابة من اجل ان يتولوا مناصب وانا اقول دائما ان المثقف او المفكر يجب ان كون موجها وليس موجها وسقراط كان يوجه الناس وهذه هي مهمة الاديب.
û هل نستطيع ان نقول بانك ملتزم؟
ــ لا يوجد هناك انسان علي الاطلاق غير ملتزم ولكن الالتزام يختلف من شخص لاخر فبعضهم يعتبر ان الالتزام هو الزام ان تكتب ما نكتب، وكتبوا ذات مرة بانني اعيش في مدينتي الرقة وانا بعيد عن القضايا الاخري وانني اعيش في برج عاجي ولكن قلت لهم تعالوا وشاهدوا الهم الذي اعيش به فهناك مصائب كثيرة كيف سأخرج من محيطي لاكتب عن اشياء بعيدة عني وهنا كان التزامي بالمأساة التي يعيشها المواطن في بلدي.
û انت بوتقة سيتعرض فيها مشاعر الحب ومشاهد الاسفار وتقلبات الحياة الاجتماعية ومسرات مختلفة هلا جلوت سطح جوهرتك الابداعية وارسلت لنا بعضا من اشعاعك وتوجز لنا رؤيتك واهتمامك بالحياة؟
ــ هذا نوع من المديح الذي يحرجني وانا اتمني ان اكون عند حسن الظن، انا في الواقع احاول من خلال تجربتي ان اجد الطريق الذي نصل فيه الي غاياتنا طريق طويل وشاق ومملوء بالعثرات ولكنه يبدأ بخطوة واحدة اذا مشينا فيها وانا احاول ان اطبقها علي نفسي علي قدر الامكان وهي ان اكون صادقا مع نفسي ومع الاخرين يعني في عملي وحديثي ومقابلتي للناس، واحاول معالجة المرضي بكتابتي التي اكتبها ولو كانت متخيلة احاول ان اكون قريبا الي الصدق اكثر ما يمكن وهذا الذي اريده من الاخرين لا استطيع ان اعترضهم او ابين لهم الطريق او اخطو لهم ولكن اقول: ابدأوا بالصدق في العمل.. ونحن نفتقد الصدق في كل مكان مع الاسف.
واخيرا لا بد من كلمة حق ان تقال اذا كان عبد السلام العجيلي قد رضي بالرقة مكانا لكي يعيش فيها فهذا لا يعني انه بعيد عنا واري من الواجب ان تأخذ تجربته الابداعية الغنية والمتنوعة حقها في النقد والمناقشة وان تنفض الغبار عنها لتعود الي الساحة الادبية من جديد فهو بحق قامة ادبية وثقافية جديرة بالوقوف عندها طويلا.

MNSO