يعني مداخلة في المقدس ناصر، لا بد وأن أتداخل بها، بصفتي رجعي ظلامي أنتمي لغبار خير القرون، أنتسب لكل الحركات المصاصة لدماء الشعوب من الرأسمالية العفنة والبرجوازية القذرة والشيوعية الحاقدة والإسلامية المتطرفة، إلخ....

صحيح أن عبدالناصر قد قام بضمان مجانية التعليم وإلزاميته، ثم صحيح أنه قد قام بتأميم الأراضي الزراعية بما أوافقه عليه جزئيا، وصحيح أن ما سلف وقام به هو حسن، وأحسن منه أنه قد أمم قناة السويس، وهذه أؤيده بها دون تحفظ، وأحسن من هذا وذاك أنه قد أقام السد العالي، والذي أتحفظ شيئا ما عليه. لكن هذا كله يرجع الفضل فيه للمصريين وليس لناصر، فالمصريون هم من مكّن ناصر مما سلف، وهم يمنون عليه بأنهم مكنوه منه، وأطاعوه بحيث استطاع أن ينجز ذلك، ولو عصوه وخذلوه لما لقي من ذلك أي نجاح، الفضل فيما سبق لمصر، وما ناصر إلا أداة بيدها، فبوركت مصر، وبورك شعبها، وأعلى الله قدرها، أما ناصر فالأمة لها أن تحاسبه في خيره وشره، فتثني على خير عمله، وترى أنه ليس إلا فرعونا حديثا قفز على الحكم على ظهر دبابة ثم ما تركه إلا أن مات، مستنا سنة سيئة عليه وزرها ووزر من عمل بها، لا ينقص من أوزارهم شيئا.

ولها أن تحاسبه أنه منع السياسة والتعاطي بها إلا أن يكون من طرف عبدالحكيم عامر، وهذا احتكار لحق الأمة في ممارسة السياسة، آعجبت تلكم السياسة عبدالناصر أم أغاظته، ولها أن تحاسبه بصفته المسؤول الأوحد عن جريمة تسليم سيناء والضفة الغربية والجولان إلى إسرائيل، ولا عذر له أن هناك من طالب ببقائه،الهزيمة صارت بفضل قيادته، ومن يحترم نفسه يتنحى حين يكون مسؤولا عن جريمة بهذا الحجم، حتى لو افترضنا عدم النية السيئة بها، في يابان الساموراي والامبراطور كان المسؤول عن جرائم أصغر من هذه بكثير ينتحر خشية العار. طبعا نحن نتكلم عن الجرائم التي يقام بها بحسن نية وخير طوية، على فرض وجودها، فالسرائر عند الله، هو أعلم بالسر وأخفى.