{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
مقالات في فلسفة أرسطو
لايبنتز غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 409
الانضمام: Jun 2007
مشاركة: #5
مقالات في فلسفة أرسطو
المقالة الثّالثة

الفحص عن معنى وحدة الصّورة الجوهريّة عند أرسطو


مقالة من تأليف لطفي خيرالله


إنّه معلوم أنّ أرسطو كان قد أثبت ثلاثة أنواع من الجواهر بما هي أشياء موجودة خارج النّفس وقائمة بذاتها ومتعيّنة. وهذه الأنواع هي أوّلا الجوهر المحسوس الطّبيعيّ المتكوّن والفاسد، وثانيا الجوهر السّماويّ المحسوس ولكنّه لا يتكوّن ولا يفسد في ذاته، وليس له من حركة إلاّ حركة النّقلة الدّائريّة والأزليّة، وثالثا الجوهر الإلاهيّ وهذا الجوهر هو غير محسوس البتّة وليس هو محلّ للحركة بنوع من الأنواع. ومعلوم عنده أيضا أنّ الجوهرين الأوّلين هما قد يكونان كلّ واحد منهما موضوعا للأعراض، والجوهر الثّالث لا. لكن ليس كلّ الأعراض التّي قد تعرض للجوهر المحسوس الطّبيعيّ هي قد تعرض للجوهر السّماويّ، فالانفعالات مثلا كانفعال الحرارة والبرودة إلى غير ذلك الّتي قد تعرض للجوهر المحسوس هي لا تعرض البتّة للجوهر السّماويّ. والجوهر السّماويّ هي قليلة جدّا الأعراض الّتي تعرض له كعروض كونه في الأين ومكان ما في كلّ آن.

إلاّ أنّ هذين الجوهرين هما يفترقان معا عن الجوهر الآخر بكونهما كما قد قلنا موضوعين للأعراض، والآخر لا، والأعراض كما نعلم إنّما هي موجود ليس يوجد إلاّ بموضوع وهذا الموضوع هو الجوهر المحسوس، ولأنّ الأعراض أيضا وجودها بغيرها الجوهر المحسوس ليس بوجود ضروريّ، أي أنّ العرض قد يخلو عنه الجوهر، مثل اللّون الأبيض فوجوده في الجوهر الإنسانيّ المشار إليه كزيد مثلا ليس بضروريّ إذ أنّ زيدا قد ينقلب أسود اللّون لمكوثه طويلا في الشّمس، وجوهريّته تبقى هي هي أبدا، قلت فالعرض لهذه الأسباب كلّها وإن قام بالموضوع أي الجوهر المحسوس فهو غريب الحقيقة عن نفس ذلك الجوهر، فإن قلنا مثلا الأبيض هو زيد، وكأنّ حقيقة الأبيض هي نفس حقيقة زيد، فهذه الوحدة هي ليست بالوحدة الحقيقيّة وإنّما شبه وحدة أو كما يقول أرسطو إنّما هي وحدة بتأخير. فنحن قد نجد أبيض آخر هو موسى، فلو كانت وحدة العرض مع الجوهر الحسّيّ المتعيّن وحدة حقيقيّة لكان موسى هو هو زيد، وذلك لأنّه قد وُضِعَ الأبيض هو هو زيد بالحقيقة، فإذًا زيد هوهو الأبيض بالحقيقة، ولكن الأبيض هو هو موسى بالحقيقة، فإذًا زيد هو هو موسى بالحقيقة، وهذا خلف.

وأرسطو لم يحتر كثيرا في بيانه أن لا وحدة حقيقيّة بين العرض والجوهر القائم به، وإن هو عرض لها في موضع من المواضع فإنّه يعرض لها عرض المذكّر أشدّ منه عرض المبرهن والمدلّل لظهور حقيقتها. وإنّما اعترته الحيرة وتجرّد للبيان والبرهان لمّا نظر في حقيقة ضربين من الوحدة وهما وحدة الجوهر المحسوس بما هو مركّب الصّورة والهيولى، ووحدة الصّورة نفسها بما هي صورة يمكن حدّها بالقول فتظهر أنّ فيها أجزاء كثيرة.

وأنت قد تكون تعلم أنّ الصّورة في مراد أرسطو إنّما هي الحقيقة الثّابتة والأزليّة في شيء من الأشياء. وهي أيضا مبدأ الفعل بإطلاق. والصّورة هي ما تجعل المادّة موجودة بالفعل، إذ المادّة هي استعداد محض، وهذا الاستعداد لا يمكن أن يخرج إلى الوجود إلاّ إذا سرت فيه الصّورة. فمثلا الخشب هو مادّة ما، فما لم يأخذه نجّار فيخلع عليه صورة الكرسيّة فإنّه لا يصبح البتّة كرسيّا بالفعل، إذًا فالكرسيّ إنّما وُجِد لإلباس الخشب المادّة، صورة الكرسيّة، وأنت إذا اعتبرت بذهنك هذا الكرسيّ قدرت على أن تميّز بالعقل بين مادّة الخشب وبين صورة الكرسيّ، ولَتيقّنت أيضا بأنّه إنّما بالصّورة تلك صار الخشب كرسيّا. لذلك اعتبر أرسطو أنّ الصّورة هي مبدأ الفعليّة والوجود في الجواهر المحسوسة. إلاّ أنّه حين نكون قد ميّزنا بالذّهن بين الصّورة والمادّة، فلا يعني هذا إطلاقا أنّه في الوجود الجوهر المحسوس، مثل الكرسيّ هذا المشار إليه، إنّما هو مادّة مع صورة، فتكون هناك حقيقة منحازة الوجود للمادّة وحقيقة منحازة الوجود للصّورة فيصبح الكرسيّ ليس شيئا واحدا بل شيئين. إنّه خطأ شائع جدّا ذلك الّذي من التّفرقة الّتي يحصّلها الذّهن في شيء من الأشياء بين حقيقتين ما فيه، يقضى بأنّ تينك الحقيقتين هما موجودتين متميّزين في الوجود كما تميّزتا في الذّهن. فعند أرسطو إذن وإن ميّزنا بالعقل بين الهيولى والصّورة في جوهر ما محسوس، فإنّهما في الوجود إنّما هما حقيقة واحدة. ولكن أيّ شيء ياترى هذه الوحدة ؟

إنّه ينبغي أن نعلم كذلك أنّ الجوهر المحسوس الكائن والفاسد عند المعلّم الأوّل هو نوعان، نوع أوّل ويقال بتقديم وهو الجوهر الطّبيعيّ كهذا الفرس المشار إليه، ونوع ثان وهو الجوهر الصّناعيّ كهذا الكرسيّ. والفرق بين الجوهرين أنّ الأوّل فالمبدأ الصّوريّ المكوّن له حين تكوّنه، أو المفارق له حين فساده إنّما هو يوجد في نفس الطّبيعة محايث لها؛ أمّا في الأمور الصّناعيّة فإنّ الصوّرة تكون أوّلا في ذهن الصّانع، وهو إنّما بخلعها على المادّة تصير المادّة موجودة وجودا بعينه ككونها كرسيّا مثلا. ولذلك فإنّ الصّورة الجوهريّة في الأمور الطّبيعيّة كانت لاتقبل إلاّ نوعا واحدا من المادّة الخاصّة بها، أمّا في الأشياء الصّناعيّة فربّما كانت موادّ كثيرة تقبل صورة واحدة. فمثلا الجوهر الإنسانيّ المشار إليه كزيد أو عمرو إلى غير ذلك فإنّ صورته الإنسانيّة بما هي هي لا يمكن أن تحلّ إلاّ بمادّة واحدة وهي المادّة اللّحميّة والعظميّة والدّميّة، أمّا الكرسيّ المشار إليه فقد يكون من حديد، أو خشب إلى غير ذلك.

فيبين أوّلا من كلّ ذلك أنّه في نفس الجواهر المحسوسة ليس هناك مرتبة واحدة من الوحدة بين الصّورة وبين الهيولى، فكأنّ وحدة الصّورة والهيولى في الجواهر الطبيعيّة إنّما هي وحدة أشدّ تقدّما وأحقّ بالوحديّة من وحدة الصّورة والهيولى في الجواهر الصّناعيّة. لكنّه وإن وُجِدَ هذا الترتيب بين كلتا الوحدتين فإنّ وحدة الجوهر الصّناعي هي وحدة جوهريّة وليست البتّة من ضرب الوحدة العرضيّة، لأنّ العرض لا يتقوّم به الموضوع بل إنّه يتقوّم بالموضوع، أمّا الصّورة في الأمور الصّناعيّة وإن كان وجودها أوّلا يكون في ذهن الصّانع فليست بوجود عارض للموضوع المادّي بل هي مقوّمة له أيضا. لذلك كان مثلها مثل الأمور الطبيّعيّة فإنّه ينبغي أن يُبْحَثَ لها عن معنى وحدة غير الوحدة العرضيّة، وهذا المعنى هو الّذي كنّا قد سألنا فيه آنفا حين قلنا أيّ شيء يا ترى هذه الوحدة ؟

لقد قلنا أنّ الصّورة هي ما تجعل المادّة التّي تكون بالقوّة شيئا ما ذلك الشيّء بالفعل، إنّها مبدأ فعل ووجود، وهي مبدأ فعل ووجود لشيء هو يكون ذلك الوجود وجودا بالقوّة قبل الفعليّة، فمعنى ذلك أنّ الصّورة هي ليست تبتكر الوجود من لا شيء أو من العدم المطلق، وإنّما هي تكمّل عدما ما سابق فيه الاستعداد للوجود، فإن كانت هي ليست تبتكر بل تكمّل عُدَّتْ حينئذ الصّورة بأنّها مبدأ استكمال للموجود بالقوّة أي المادّة، إنّ الصّورة هي كمال للمادّة، وبما هي ذلك الكمال للمادّة، فالمادّة هو سابق فيها كما قلنا ذلك الاستعداد للكمال، فإذن المادّة حين صيرورتها بالفعل لا ينضاف إليها حقيقة أخرى غريبة عنها كلّ الغربة، وحين يحصل مركّب الصّورة والمادّة المكوّن للجوهر المحسوس، لا تبقى حقيقة المادّة ممتازة الوجود عن الصّورة إذ الصّورة هي نفس حقيقتها التّي أخرجتها إلى نور الوجود. لذلك اعتبر أرسطو أنّما الوحدة الموجودة بين الصّورة والمادّة في الجواهر المحسوسة الكائنة والفاسدة إذ هي ليست وحدة عرضيّة فهي إنّما هي وحدة استكمال، ولذلك فهي وحدة جوهريّة.

أمّا في الجواهر السّماويّة المحسوسة فهذه وإن كانت لا تتكوّن و لاتفسد في ذاتها، فذلك لأنّ المادّة التّي لها هي مادّة مخصوصة تجعل الصّورة لا تقبل إلاّ إيّاها، ولكن هو موجود فيها مركّب الهيولى والصّورة، وإن كان هذا المركّب لا يتغيّر أبدا، والصّورة هنا هي أيضا كمال للهيولى لكن كمال من غير حركة بل فعليّة أزليّة. ولكون هذه الصّورة لا تغادر البتّة هيولاها كانت وحدتهما وحدة أشدّ من وحدة الجوهر المحسوس الطّبيعيّ، وبطريق أولى أشدّ من وحدة الجوهر المحسوس الصّناعيّ.

لقد كنّا رأينا كيف هي وحدة الصّورة مع عنصرها المخصوص في الجوهر المركّب المحسوس، وقلنا أنّما هي وحدة استكمال. لكنّ هو معلوم أنّ حقيقة الصّورة هي غير حقيقة الهيولى، وأنّ الهيولى هي مبدأ الكثرة والتغيّر، أمّا الصّورة فهي مبدأ الوحدة والتعيّن. فلنا أن نسأل أوّلا أيّ شيء بتخصيص أكثر الصّورة.

إنّا قد أسلفنا أنّ الصّورة هي مبدأ الوجود وهي نفس الفعليّة، ومعنى الفعليّة ومعنى الوجود هما شيء واحد. ولذلك كانت الصّورة هي أيضا نفس حقيقة الشيّء، أي نفس ماهيتة، إذ لم يكن عند أرسطو تلك التّفرقة الّتي استحدثها ابن سينا من بعده بقرون أي التّفرقة بين الماهية والوجود. فلمّا كانت الأشياء كما قد قلنا منها المحسوسة ومنها الغير محسوسة، فإنّ الصّورة هي فيها أبدا هي نفس حقيقتها، ففي الأمور المحسوسة هي نفس حقيقة الجوهر المحسوس، لكن يكون في ذلك الجوهر شيء زائد عن تلك الحقيقة وهي المادّة، أمّا في الأشياء اللاّمحسوسة كالجوهر الإلاهيّ فلأنّه ليس فيه معنى المادّيّة فإنّ صورته هي نفس وجوده، أي أنّ كلّ الوجود فيه هو كلّ الصّورة وكلّ الصّورة هو كلّ الوجود. فهناك إذن صورة توجد وجودا متعيّنا قائما في الأعيان خارج النّفس مجرّدة عن المادّة، وهناك صور أخرى هي لا توجد مفارقة للمادّة وهي الصّور المحسوسة، ولكنّ في الأمرين الاثنين إنّما الصّورة هي أبدا حقيقة الشّيء الموجود نفسه ونفس وجوده.

فإذَا قد قلنا أنّ الصّورة إنّما هي حقيقة الموجود، فإنّ حقيقة الصّورة تكون هي نفس حقيقة الموجود، فإن كان حقيقة موجود ما فيه تركيب ما فالصّورة تنطوي بوجه من الوجوه على تركيب، وإن لم تكن تنطوي على تركيب بوجه من الوجوه، فالصّورة تكون أيضا غير منطوية على تركيب بوجه من الوجوه، أي إن كانت حقيقة الموجود بسيطة فإنّها تكون هي بسيطة. ولكن أرسطو كان قد أثبت في آخر مقالة اللاّم ممّا بعد الطّبيعة وجود جوهر إلاهيّ بسيط لا تركيب فيه البتّة وسمّاه بصورة الصّور، فهناك إذًا موجود بسيط الذّات من كلّ الوجوه، أي صورة هي موجود محض لا تركيب فيها بإطلاق. فليس هناك فرق في مثل هذا الجوهر بين وجوده وصورته، لذلك كانت هذه الصوّرة هي هي نفسها من كلّ الوجوه، أي هي واحدة الذّات وحدة ذاتيّة بالتّمام. فالصّورة البسيطة إذًا وحدتها هي وحدة ذاتيّة ولا كثرة فيها البتّة.

أمّا الجواهر غير الجوهر الإلاهيّ، وبخاصّة الجواهر الطبيعيّة فهي ليست فقط مركّبة من حيث هي مقارنة للمادّة، بل هي أيضا ذوات صور هي في ذاتها مركّبة، فثارت الحيرة كيف كان الشّيء الذي هو مبدأ الوحدة في الأشياء وأزليّ هو فيه التّركيب، ونحن نعلم أنّ كلّ شيء مركّب فإنّه حادث عن الأشياء المركّبة له أي هو معلول لها. لنأخذ مثالا على ذلك: ليكن هذا الحصان المشار إليه والملقّب بالأبلق، فقد يكون طويلا، كميتا، ذا سلالة عربيّة إلى غير ذلك، و هذه الصّفات كلّها معلوم أنّما هي أعراض وليست هي نفسها ما بها كان هذا الحصان حصانا. فقد نجد حصانا آخر أبيض اللّون قصيرا وذا سلالة أنجليزيّة، وهو أيضا حصان، ونقول فيه أنّه حصان مثل الحصان الأوّل ولا نقول فيه مثلا أنّه حمار. فإذا بين الحصان العربيّ الأوّل والحصان الثّاني هناك حقيقة واحدة كانا بها حصانا ولم يكونا بها حمارا. وهذه الحقيقة هي المقول عنها بأنّها هي ماهيتهما وصورتهما. فأيّ شيء هذه الحقيقة ؟ إنّها كون الأوّل أو الثّاني هو حيوان صاهل. إنّ ماهية الحصان أو صورته إنّما هي حيوان صاهل. وقولنا الحصان هو حيوان صاهل إنّما يُسَمَّى حَدٌّ للحصان.

فالحصان هو موجود في الأعيان له حقيقة في ذاته سمّيناها الصّورة، وإذا أردنا أن نعطي تلك الحقيقة بالقول فإنّ نفس ذلك الإعطاء بالقول يسمّى حدّا، والحدّ هو لا يعطي حقيقة الشّيء إلاّ إذا ذكر ما به كان ذلك الشّيء هو هو، والشّيء إنّما يكون هو هو بجنسه وفصله. وليس أيّ جنس كان وإنّما جنسه القريب وليس أيّ فصل كان وإنّما فصله المقوّم. فالحصان هو نوع يدخل تحت جنس الحيوان، لأنّ في ذلك الجنس نجد أيضا الحمار والكلب والقطّ إلى غير ذلك، ومعنى الحيوانيّة هو كون الشّيء ذا حياة وحسّ وحركة. وهذه الحقيقة الجنسيّة لو اقتصرنا عليها في جوابنا عن السّؤال الطّالب ماهية الحصان بقولنا إنّه حيوان لما قدرنا أن نفصله عن سائر الحيوانات الأخرى أوّلا، وثانيا فإنّ هذا المعنى وحده أي المعنى الحيوانيّة هو ليس له وجود في الخارج، فنحن لانرى حيوانيّة متعيّنة بل حيوانات ما كالحمار المشار إليه وغيره. لذلك فلكي تتمّ حقيقة المسؤول عن ماهيّته وهذا من جهة تصوّره في الذّهن، ولكي يوجد الحيوان الجنس في الواقع فلا بدّ من زيادة حقيقة أخرى تخصّصه في التصوّر في الذّهن، وتخرجه إلى الفعليّة في الواقع، وهذه الحقيقة كالصّاهليّة في الحصان، وهذا المعنى هو الّذي يسمّى بالفصل. ومركّب الجنس والفصل إذ يعطي حقيقة الشّيء فهو يعطي حقيقة الصّورة، لأنّه قد قلنا بأنّ الصّورة إنّما هي حقيقة موجود موجود.

ولكن هاهنا كثرة في الصّورة، والحصان قد قلنا أنّه حيوان صاهل، وفي الواقع نحن لا نرى إلاّ حقيقة واحدة وهي حقيقة الحصان، فلا نرى في ذلك الأبلق العربيّ لا حيوانيّة بالفعل ولا صاهليّة بالفعل. فلو كان الحدّ إنّما يعطي طبيعة الشيّء، وكان في حدّ ذاته مركبّا من شيئين فلا بدّ أن يكون المحدود أيضا مركّبا، ولكن هو في الواقع غير مركّب فكيف كان ذلك ؟

يجاوب أرسطو عن هذه الحيرة بقوله بما قد ذكرنا طرفا منه بأنّه ليس كلّ ما يدركه الذّهن متميّزا فهو في الوجود متميّز الوجود، والحدّ حين يعطي حقيقة الشّيء إنّما يعطي تصوّره فيظهر كثيرا، وإن هو ظهر كذلك كثيرا في الذّهن فليس يلزم لا محالة أن يكون كذلك في الوجود، بل إنّ حقيقة الجنسيّة والفصليّة في موجود موجود إنّما هي واحدة بالفعل كثيرة بالقوّة. إنّما الفصل في الصّورة الموجودة بالقياس إلى جنسها إنّما هي أشبه بعلاقة الصّورة نفسها بالقياس إلى مادّتها المذكورة آنفا، فقد قلنا أنّ وحدتهما إنّما هي وحدة استكمال، وأيضا الفصل إنّما وحدته بالجنس إنّما هي وحدة استكمال، إنّ الفصل هو كمال الجنس من جهة ماهو الّذي يخرجه إلى التعيّن والفعليّة كما ذكرنا آنفا. بل إنّ مثل هذه الوحدة الاستكماليّة بين الفصل والجنس لهي أشدّ تقدّما من الأخرى لكون في المركّب المحسوس الصّورة قد تنفكّ عن المادّة ولو في الذّهن، مثل أنّ صورة الكرسيّة قد تنفكّ عن مادّة الخشبيّة لتوجد في مادّة أخرى، وكذلك صورة الفلكيّة قد تُقَدَّرُ بالعقل منفكّة عن هيولاها وإن امتنع ذلك في الحقيقة، أمّا الفصل فهو يمتنع فيه امتناعا ضروريّا تصوّره منفكّ الوجود والحقيقة عن الجنس.

فإذن وحدة الجوهر الصّوريّ عند أرسطو هي على الجملة إن كانت مع مادّتها أو في ذاتها بما هي تنقسم بالحدّ إلى جنس ونوع فهي وحدة كمال و استكمال وفعليّة.
05-19-2008, 12:44 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
مقالات في فلسفة أرسطو - بواسطة لايبنتز - 04-27-2008, 12:24 PM,
مقالات في فلسفة أرسطو - بواسطة لايبنتز - 04-30-2008, 04:03 PM,
مقالات في فلسفة أرسطو - بواسطة لايبنتز - 05-07-2008, 01:27 PM,
مقالات في فلسفة أرسطو - بواسطة لايبنتز - 05-10-2008, 08:50 PM,
مقالات في فلسفة أرسطو - بواسطة لايبنتز - 05-19-2008, 12:44 PM
مقالات في فلسفة أرسطو - بواسطة لايبنتز - 05-24-2008, 11:38 PM,
مقالات في فلسفة أرسطو - بواسطة لايبنتز - 05-31-2008, 08:10 PM,

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  فلسفة التحايل فارس اللواء 2 1,439 11-28-2012, 12:29 AM
آخر رد: Rfik_kamel
  فلسفة الدين - فى ظل فلسفة اسلامية معاصرة - الباحث / طارق فايز العجاوى طارق فايز العجاوى 2 1,278 11-28-2012, 12:22 AM
آخر رد: Rfik_kamel
  فلسفة الأخلاق فارس اللواء 8 2,613 10-15-2012, 12:43 AM
آخر رد: فارس اللواء
  فلسفة الصنمية فارس اللواء 0 1,018 09-09-2012, 11:14 PM
آخر رد: فارس اللواء
  فصل المقال فيما بين فلسفة البشر وحكمة القرآن من الانفصال فارس اللواء 11 3,401 03-11-2012, 07:48 PM
آخر رد: فارس اللواء

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 2 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS