الميداني .
يا زميلي إني أتفهم رؤيتك دون أن أقرها ، فلو كنت فلسطينيا مثلك ما أمكنني رؤية شيء آخر خارج الصراع مع إسرائيل ،و لكن للعرب مشاكل أخرى يهتمون بها بالإضافة للمشكلة الفلسطينية خاصة مع تعقدها كل تلك السنوات ، فلا يمكن إيقاف التاريخ عند لحظة معينة طويلا فحتى أخطر الأمراض يعتادها الإنسان إن بدت بلا شفاء ، لهذا علينا أن نتقبل أن يهتم العرب لأنفسهم كما يهتمون بالفلسطينيين دون أن نراهم خونة أو ظراطين !، فهذا حقهم وواجبهم تجاه أنفسهم ، بل لا أجد أية فائدة تعود على القضية الفلسطينية بتدمير كل البلاد العربية و تحويلها لميليشيات كما فعلت حماس و يفعل حزب الله في لبنان و الصدريين و القاعدة في العراق ، بل إن تفكك الدول العربية لن يساوي الجميع ولو في المحنة ،و نصبح جميعا في الضياع شرق ، و لكن ذلك سيجعل إقامة دولة للفلسطينيين أبعد منالا ، فمع تفكك الدول القائمة سيصبح إنشاء دولة جديدة خارج السياق كلية .
بالطبع لدي رواية أخرى ، أراها أكثر اتساقا مع الواقع و تطور الأحداث ، ربما لا تكون رواية زاعقة ،و لكن خلوها من الشعارات التعبوية لا يقلل من أهميتها و فائدتها بل يزيد تلك الأهمية كثيرا كأي حديث عاقل .
1- حديثي عن الفرق بين التسليح الثقيل لميليشيات حزب الله دون باقي الأحزاب اللبنانية ، جاء في معرض توضيحي طبيعة القوى العسكرية في لبنان بعد الطائف ، فقد تم نزع أسلحة كل الميليشيات و حلها عدا ميليشيات حزب الله ، هذه حقيقة موضوعية بصرف النظر عن أن نراها موقفا سليما أم لا ، هذا التوضيح جاء تصحيحا لما تعتقده الزميلة من وجود ميليشيات متعددة داخل لبنان يمكن مقارنتاها بالوضع الذي ساد زمن الحرب الأهلية ، و أرى أن الزميلة لا تعرف الكثير عن الأوضاع الداخلية في لبنان ،و طبيعة التوازانات العسكرية القائمة حاليا داخل هذا البلد الصغير .
2- لا أوافقك عندما تتحدث عن قوة تسمى المقاومة ، فالمقاومة ليست كيانا ماديا entity بل هي ( فعل action) تقوم به قوة ما في وقت محدد سواء منفردة أو بالتعاون مع آخرين ،و لكن هذه القوة قد تقوم بفعل آخر في وقت آخر ، وفقا لمصالحها المتجددة ، و بالتالي لا يمكن أن نعتبر كل تصرفاتها مقاومة ، المقاومة إذا فعل و ليست صفة لأحزاب أو جماعات ، فجبهة التحرير الجزائرية أشهر و أنجح حركات المقاومة العربية أصبحت حزبا حاكما يضرب فيه الفساد بعد التحرير ،و هكذا كل حركات التحرير .
3- ما حدث في لبنان لم يكن استثناء ، ورغم كل المبالاغات الدعائية التي تجاوزت أي منطق ، أقول أن حزب الله كانت له جهود واضحة في مقاومة إسرائيل ،و كلنا أشاد بهذا الحزب وقتها ، و لكن لبنان استعاد ارضه المحتلة منذ زمن طويل ، و وجود حزب ينفرد بحيازة السلاح الثقيل خارج سيطرة الدولة هو حالة مليشياوية خطيرة ما كان مقبولا السماح بها ،و هي تتنافى مع شكل الدولة القومية كما تعرفها الأنظمة الدولية ، فالدولة تحتكر العنف على أرضها ،و تلك بديهية أعجب أن يناقشها أحد ، خاصة أن هذا الحزب المقاوم – على خفيف خفيف – شاهدناه يحقق أكبر انتصاراته على اللبنانيين وهو يجتاح بيروت بالشبيحة ( الزعران ) و يحرقها ، أذكرك يا زميل و كل من تختلط عليه المصطلحات وتتوه الحدود في ناظريه أن المقاومة فعل و ليست تنظيما بعينه ،و الخيانة أيضا فعل و ليست تنظيما بعينه ،و قد رأينا في بيروت كيف تحولت مقاومة إسرائيل إلى خيانة اللبنانيين و طعنهم في الظهر، وذلك كله تم بواسطة نفس الحزب و كوادره و نصرالله .
4- ما تبقى من مشاكل مع إسرائيل هي مشاكل تافهة لا تقارن مثلا باحتلال الجولان ، وهي شأن لبناني يخص كل اللبنانيين ،و يتم معالجته خلال المجتمع الدولي ، ولا تبرر انفراد حزب الله بقرار الحرب و السلام دون سائر اللبنانيين ، فلا يعقل أن كل اللبنانيين خونة عدا جماعة حسن نصر الله ، ثم ماهي أعمال المقاومة تلك منذ جلاء إسرائيل سوى تلك الحرب المجنونة عام 2006 التي تسبب فيها نصرالله ثم ندم عليها امام الجميع .
5- من يبرر تصرفات حزب الله التي تقود لبنان إلى التفكيك و التدمير يغفل دائما حقيقة كون حزب الله تنظيم مليشياوي يتبع حرس الثورة الإيرانية ، و يأتمر بأوامر القيادات الإيرانية ، و يبايع خامنئي مرشدا أعلى ووليا فقيها ، وهو في ذلك لا يختلف عن أي تنظيم عسكري إيراني ، هذه العلاقة العضوية المنهجية هي حجر الزاوية في الموقف كله ، فنحن لدينا جانب لبناني في مواجهة إيرانيين يحملون الجنسية اللبنانية ، و هذه التبعية تختلف كلية عن أي علاقة مفترضة بين السنة في لبنان و السعودية و مصر أو بين المارونيين و الدروز و فرنسا ، فلم نسمع بوجود ميليشات سنية تبايع الملك عبد الله قائدا و هاديا !، ولم نشاهد ميليشيات مارونية تبايع جاك شيراك على الإنجيل و السيف !، بل لم يكن للسنة ميليشيات في يوم ما ، كما أن ميليشيات المارونيين أصبحت في ذمة التاريخ ، فقط لدينا شبيحة حسن نصرالله تعبث في بيروت باسم المقاومة .
6- بالرغم من كل الجوانب السياسية للقضية علينا ألا نستهين بأن جريمة اجتياح بيروت تمت بواسطة شيعة مسلحين ضد سنة آمنيين ، و هذه السقطة كان من الواجب أن يقدرها حسن نصرالله جيدا ، فنحن نعلم مدى خطورة إشعال الفتن الطائفية خاصة في ضوء حالة العراق ،و ما يجري فيها بين السنة و الشيعة .
7- يبقى أن نتسائل عن السبب الذي يفرض على لبنان الصغير المقاومة وحده ، بينما سوريا تفاوض إسرائيل بلا انقطاع ، و حتى عندما تضرب بالقنابل لا تغضب بل تمضي في المفاوضات بحماس أكبر ، الجميع يراهن على المفاوضات و الحلول السلمية ،و لكن على لبنان أن يبقى حذاء أو مجس للألغام ،لا يهم ان تنفجر فيه الألغام طالما بقي الأخ الأكبر و الممانع الأعظم بعيدا في أمان .
8- أما حديثك عن حماس و غزة فيمكنك أن تسأل عنهما الشهداء الفلسطينيين الذين ألقيتموهم من الدور 11 !.


سررت بالحوار معك
تقبل تقديري .