[b]لم يتركِ الدَّهرُ في قلبي و لا َ كبدي
شيئا تُـتَيِّمُهُ عينٌ و لاَ جِيــدُ
يا ساقِيَيَّ،أَ خَمرٌ في كؤوسِـكُما
أم في كؤوسكُما همٌّ وَ تَسْهِيــدُ
أَ صخرةٌ أنا ما لي لاَ تُحرِّكُنـي
هذي المُدامُ و لاَ هذي الأغاريــدُ
إذا أردتُ كُميتَ اللّونِ صافيةً
وجدتُها و حبيبُ النّفسِ مفقــودُ
( المتنبي)
............
أتبرّأُ من حزني..هذهِ المرّةَ..فمسافةُ العدمِ تتقدّمُ.و ذاكرتي أخذت تتطهّرُ و تتفرّغ من أحمالها..واَخترقَ الحسُّ المشاهدَ..و ها هيَ العينُ تترصّدُ الوجودَ و تلوّحُ لهُ بيدِ التّوديعِ...و توحّدَ الزّمنُ باَشتقاقاتهِ..و توزّعَ بكؤوسي الأخيرة؛ سأشربها و تسقيني..
لعلَّ آخرَ الكأسِ ولادة العدم..و يكونُ " الخلاء" ميعادا مؤنسا،و تتبرّجُ الوجوهُ القديمة بمرآتي، و الدّربُ رَحيلٌ؛ متعةٌ ..تخترقُ أطرافا حسبتها ميّتةً، فها هيَ ترتعشُ بل ترقصُ لأنْ لاَ حقيقةَ ..وحده العدمُ مُمْسِكُ الوجد..و الوجعِ..
أُمنيةُ الوجعِ أنْ يكونَ بلا ذاكرة..يمتدُّ فلاَ يُفارِقُ الموجوعَ بل فيهِ يتجدّدُ و يدفعهُ شروقا ناحية عدمه الموعود..وحيدا في كشفهِ، فردا بعلّتهِ..
العدمُ يهزأُ بشفقة المشفقينَ..و يُوسوِسُ بالاختفاء..ببطءٍ كرحلة الموتِ بجسدٍِ مثخن بالعلل..لاَ مُدْرِكٌ لسرِّ العدمِ..يبدأُ الانقباضُ من الشّمسِ و شروقها من الشّرقِ..و يخرُجُ من عينٍ لأنثى شرقيّة لعوبٍ..تمتصُّ آخرَ رشفة من الحياة و تتكشّفُ : أنّها العدمُ..فتبقى الأحبّ أبدا...لأنّها الحقيقة أبدا...