هل هذا إبراهيم الذي نعرف؟

قد يكون ابراهيم تصرف بهذا الإلغاء إبان تجربته، نظرا لشعوره بالخطر الوجودي، وهذا رد فعل غريزي مفهوم، أما اليوم فلا يفهم هذا منه إلا كما يلي:

بتوقعي أنا، وبمعرفتي المتواضعة بإبراهيم، أظن أنه يعاني من أمر ما، عرفت سابقا أنه يعاني من كليته، ولعل هناك أمرا ما في حياته الواقعية ينغص عليه، فيأتي هنا للحياة الافتراضية ليرفع النير عن كاهله و"يفش خلقه".

من هنا، من قلب الحياة الافتراضية، أقول لك يا إبراهيم، لا تسعى لكسب العالم مقابل أن تخسر نفسك، ماذا تستفيد حينئذ؟

يا إبراهيم، من قلبي أدعو أن يشفي الله بدنك، ويعافي روحك، ويرفع وزرك، ويشرح صدرك، ويزيل همك، ويبدلك بعد عسر يسرا، وكلي رجاء، ارجع يا إبراهيم، يدي لا تزال ممدودة، ماذا تستفيد لو قرنت محمد بهتلر؟ هل تريد أن ندخل في قضية الإثبات والإثبات المغاير؟ حسن عزيزي هذه الجملة التي قلتها أنت لا ترقى حتى لمستوى النظر فضلا عن الرد، لكن إبراهيم يرقى، يرقى كثيرا، يرقى لأكثر من النظر والرد، يرقى ليكون فقط إبراهيم عرفات.

أما عن تجربتك الأليمة، فكلنا مررنا بتجارب أليمة لو حدثناكها لخجلت ورأيت تجربتك شيئا متواضعا؟

هل هددت بالقتل والولد معا؟ أعني التهديد الجدي الذي يجعلك تغير سكنك فجأة، وتبعد إبنك عنك حتى لا يؤذيه أحد؟
لم يصبك هذا فاحمد الله يا إبراهيم.

هل أحدثك عن مأساة أبناء عم لي قضوا في تل الزعتر؟

لي عم، ليس مباشرا، كان يقطن في برج البراجنة، مخيم للفلسطينيين في بيروت، وله بنت وحيدة متزوجة في الأردن، وبضعة أبناء يسكنون لسبب أو آخر في مخيم تل الزعتر الشهير.
حين سقط المخيم، وبدأت المجازر، هرب هؤلاء الشباب من الطرق الخلفية خلف القرى "المسيحية" مع الأسف، ممن يزعمون أنهم يتبعون المسيح الفلسطيني، لم يعد أحد منهم حيا إلى البيت يا إبراهيم، وجدت جثثهم جميعا إلا جثة محمد، محمد هو الولد الأصغر بين خمسة أخوة وأخت سادسة.

بدأت أمه تهجس باسمه يا إبراهيم، كلما طرق الريح باب التوتياء الذي يستر بيتهم في ليل مظلم عاصف تقول جاء محمد، وتخرج تنظر إبنها الذي لم تدفنه فلا تجد إلا القطط الشاردة، والكلاب الضالة، ولعله عابر سبيل عائد إلى بيته ليلا. ولا يعود محمد.

مرت الأسابيع يا إبراهيم، وإذا برسالة تأتي إلى الأم مفادها أن تحضر كذا من الدولارات، وكذا من الذهب، وتأتي منفردة إلى مكان كذا دون إعلام أحد، حتى تأخذ ابنها حيا، فقام قلب الأم بتحضير تلكم الفدية، وذهبت لتقابل ابنها الأصغر.

هل قابلته؟ في الواقع نعم، وجد المارّة في اليوم التالي كيسا أسود قرب مسجد الإمام الأوزاعي، خشي الناس أن يكون مفخخا فتحاشوه، ثم بعد اشتداد حر الهاجرة، وتصاعد الرائحة الكريهة، تجرأ أحد الشجعان ونظر الكيس، فإذا الأم مقطعة بالبلطات فيه، وعلى وجه الكيس هويتها، ولم يكن ثم محمد ولا المال.

رحمك الله يا عمتي، وجمعك ببنيك في الجنان، وألحق بكما زوجك الصابر وابنتك المحتسبة.

لم يبك عمي على ما حدث، ولم يضحك أيضا، واستمر صامتا لا يتحدث غير الضروري حتى قضى قبل 4 سنين.

هذا بلاء يا إبراهيم، فأرني بم ابتليت، واحمد ربك على ما رأيت، فليس إلا شيئا عابرا في الحياة، لا أقرن بلاءك ببلاء الأم التي ذهلت وقتلت لثكلها، ولا ببلاء البنين الذين قتلوا، بل اقرنه بهذا الرجل العجوز الذي ثكل بنوه وفقد زوجته، وعاش بعدها يجتر الآلام ما يقرب من ثلاثين سنة.

هل ما حدث يجعلنا نحقد على المسيحيين والنصارى؟ فنصم يسوع بهتلر لأنه قال أرسلت لألقي سيفا لا سلاما؟ ثم نحمله وزر من قتل باسمه من قتل منا؟

هل تعلم أن من أقرب الأصدقاء إلى هذا العم كانوا نصارى من الموارنة أيضا، من نفس الطائفة التي قتلت بنيه وزوجته؟ وبقوا أصدقاء له حتى قضى!

عزيزي ابراهيم، باختصار، ما حدث معك بتهديد ببيتك ليس من الإسلام حتى عند الخوارج الأزارقة، وما أدراك ما الخوارج الأزارقة، ولو رأيت فائدة لبسط الأمر لبسطته إذن، لكني أدعك وضميرك لعلك تخرج مما أنت فيه إلى غيره.

اللهم اشف ابراهيم، قلبا وجسدا وروحا، وارفع عنه الرجز والعجز والكسل والهم والحزن، وأبدله خيرا مما هو فيه، وعاف بدنه، الله وصل على النبي الأمي الخاتم، سيدي محمد أبي القاسم، وعلى آله وصحبه ومن سار بهديه.