في عام 1970 وكنا صغاراً نلعب بالحارة بالبلور ( الكلول ) عندما وفجأة سمعنا هديراً قوياً وحلقت فوق رؤوسنا طائرات منخفضة جداً حتى أنني ( أتمنى أن لا أكون أتخيل )تلاقت عيناي مع عيني الطيار الذي ابتسم لنا , حتى أن النسوة هللت فرحاً لهذه الطائرات ظناً أنها سورية . وفجأة فتحت ابواب الجحيم من هذه الطائرات صواريخ و قنابل ,ليس على المدينة بل على معسكر قريب للفدائيين - كما كنا نسمي المقاتلين الفلسطينيين - وهو من معسكرات التدريب الأولى لمنظمة التحرير وقد تدرب فيه أغلب الرعيل الأول من القيادات الفلسطينية ويسمى معسكر الشهيدة " فاطمة البرناوي" ( و أتمنى ممن عنده معلومات عن هذه الشهيدة أن يتحفنا بها ) وظل القصف و الضرب مستمراً حتى أنهت الطائرات مهمتها . وفي اليوم التالي نزلنا إلى المعسكر وكنا أولاد مغامرين لنجمع فوارغ الرصاص و شظايا الصواريخ وقد بقيت إحدى هذه الشظايا عندي لفترة قريبة .

طبعاً في ذاك الزمن لم يكن هنالك نظام دفاع جوي متطور في سوريا , وقد استدرك ذلك في العام 1973 التي أيضاً عاصرناها واكثر ما أتذكره منها هو زعيق " زمور الخطر " الذي كان يصيبني بالهلع فأركض إلى أقرب ملجأ لأختبأ فكانوا يسخرون مني , إذ أن الناس كانت قد بلغت بها الثقة في سلاحنا الجوي و الدفاع الجوي أنهم كانوا يصعدون إلى السطوح عند سماع زمور الخطر .

وبالعودة إلى موضوع الغارة .. بعد فترة سمعنا أنه كان هنالك جاسوس اسرائيلي هو الذي أعطى الإحداثيات إلى الطائرات فتذكرت أنا و أخوتي بائع الجاتوه الذي كان يقف بجانب بيتنا على عربة وكان لطيفاً دائم الابتسام والأمر الذي كان يلفت انتباهنا هو أن ثمن قطعة الجاتوه الفاخرة كان " نصف ليرة " وكانت " خرجيتنا " فرنكين " ومع ذلك كان يعطينا قطعة الجاتوه بأي ثمن نعطيه له .

وفي فترة أحداث حماه كنا قريبين جغرافياً من الأحداث .

مع تحياتي (f)