معارضته مقصورة علي المحافل الثقافية
التطبيع حي يرزق في القاهرة
جاكي خوجي
03/06/2008
ممدوح، مدير وردية الحراسة في فندق مينا هاوس قرب الاهرامات يشكو من أنه كان صغيرا جدا في العام 1977 عندما وصل الي هناك مبعوثو مناحيم بيغن واجتمعوا في ميراتون من أجل المحادثات مع مستشاري أنور السادات. ممدوح وجد مكانه في فريق العاملين بعد سنة من ذلك فقط، ولكنه تذكر بعينين لامعتين كيف خرج مع رفاقه الي شوارع المدينة ليحيي الوفد الاسرائيلي.
في الفندق، الذي بني في العام 1969 ويعرض غرفة بـ 195 يورو لليلة، يعرف الجميع كيف يشيرون بفخر الي القاعة التي اجريت فيها المحادثات والي الجناح الذي نزل فيه الرئيس الامريكي جيمي كارتر.
بعد 31 سنة من ذلك، كان السلام مع مصر ولا يزال الحدث السياسي الاكثر استقرارا الذي منحته اسرائيل لنفسها. فقد نجا من حربين وانتفاضتين، ضرب معارضيه وتدحرج الي علاقات خاصة بين مجتمعين يقاتلان معا ضد الاعضاء الضارة التي تهدد سلام الجيرة. ثلاثة عقود لم تعد سلاما هشا بل حقيقة قائمة. وعليه، فاليوم، اكثر من أي وقت مضي حان الوقت لوضع القاهرة في مكان عال في قائمة الاهداف للاسرائيلي الفضول.
يمكن المجيء للعمل في اسرائيل؟ هو سؤال منتشر علي لسان مقدمي الخدمات في الشارع المصري. أعطه عملا، حتي لو كان يكن لك العداء، فانه سينساه. غير أن هناك شكاً في ان يكون هذا العداء قائما بالفعل، مثلما يوجد في رأس الاسرائيلي.
الهبوط في القاهرة يضرب الزائر بمفاجأة مزدوجة. في الاولي، عندما يجد ان السياسة لم تنجح في التسلل الي الشارع وانه مرغوب فيه ومعانق مثله مثل كل سائح آخر. اما المفاجأة الثانية، فهي قوة المدينة. فهي ملونة تضرب بوتيرة سريعة وتتدفق ببطء مثل النيل. لا توجد مدينة اكبر منها ولكن سلوكها يذكر بحياة القرية. يوجد فيها كل شيء بكميات مناسبة: التاريخ، الاسواق، الطعام، المتاحف. هي عربية وعالمية، ابداعية، معانقة ولا تعرف النوم.
رغم هذه المزايا، تعاني العاصمة المصرية من علاقات عامة سيئة في أوساط الاسرائيليين، في معظمها دون مبرر. فمن يتغلب علي الصد الاول وينزل فيها، يعود الي الديار عاشقا. المعارضة لكل اتصال مع الاسرائيليين لا تزال قائمة في المحافل الثقافية ولكن يخيل أن حتي معارضي اسرائيل تعبوا. د. زاهي خواص، المدير الاسطوري لشبكة الاثار المصرية يكشف النقاب عن ان 200 وفد ينزل حاليا في مصر ويعمل في مواقع حفريات مختلفة. ولكنه يروي لنا أنه ليست أي منها اسرائيلية. ويعلل ذلك قائلا: عليهم أولا أن يعيدوا الاراضي للفلسطينيين .
في الوقت الذي تدير فيه م.ت.ف اتصالات وثيقة مع اسرائيل، فان رفض المصري عمل ذلك يبدو سخيفا. غير أن لخواص سببا آخر علي ما يبدو: لماذا يحتاج اليهود، بالذات من بين كل الشعوب، للاكتشاف في بلاد فطوم ورعمسيس. بل انه من الصعب التصديق ان وزير الثقافة فاروق حسني الذي يحرص علي ان يروي للجميع بانه سيكون آخر من يزور اسرائيل، اعتزم بجدية احراق كتب عبرية.
قبل بضعة اسابيع سألني أحد ممثلي الاخوان المسلمين في البرلمان عن الابداعات الاسرائيلية في رفوف المكتبة الكبري في الاسكندرية. ارني اياها وسأحرقها أمامك ، رد الوزير. لو اراد الوزير لكان بعث رجاله لفحص رفوف الادبيات العبرية في المكتبة الكبري. ولكنه لا يري حاجة الي ذلك لمعرفته أن المشروع الضخم في الاسكندرية اقيم ايضا كي يتمكن الزوار من لقاء عاموس عوز ودافيد غروسمان باللغة الاصلية.
التطبيع الذي تطالب به اسرائيل بشدة لدي جيرانها، حي يرزق علي مسافة ساعة طيران من تل أبيب. وكم هو عميق يشهد عماد، سائق السيارة العمومية الذي يقترح في منتصف الليل علينا ان يأخذنا الي فتاة هوي. في نهاية اليوم سيقول لك بائع هدايا في سوق خان الخليلي، يحيينا بالعبرية، نحن أبناء عمومة وللحياة قوتها الخاصة بها.

عن صحيفة معاريف الاسرائيلية 1/ 6/ 2008