أما عن لآلئ العلماني فاسأله هو عنها، لأني أنا شخصيا كموله باللغة العربية أضن عليها من الابتذال أن تذكر أمام من لا يقدرها ولا يفهم جوهرها، واعذرني فلن يأتي اليوم الذي أضرب في الأمثال باللغة لك، خوفا عليك من الغرق وعليها من التبذل.

من المغالطات في مداخلة اللغة سعيك وراء ما لا يفهم، فأي نفع أن لا تفهم كلام الفيلسوف؟ عجيب والله أمرك، تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير. ثم اعتبارك الرجل مفكرا كونيا عالميا، وهذه الصفة بذاتها مغالطة، فلا ينسب المرء للعالم والكون، لأن الكون ليس مصدر التفكير، ينسب فكر المرء للزاوية التي ينظر بها إلى العالم، وللفكرة الأساسية التي يتخذها مسطرة يقيس عليها سائر أفكاره ويبني عليها مفاهيمه وتصوراته عن الحياة، وينظم وفقها سلوكه المعاش. وقد علمت لحن قولك، وارجو أن يكون الرجل قد علم ما علمته منه.


أما عن العنف في الطبيعة، فالطبيعة والعنف والحروب من خليقة الرب، وهو الذي أراد الكون بين قطبي العنف واللطف يدور، ولكل شيئ قطبان، ومن كل شيئ زوجان، هذه سنة الحياة، وهذا هو الناموس الذي فطر عليه الكون، فاقبل أو دع، لكنك لن تغير من الحق شيئا.

عزيزي رومنسيتك القاتلة لا تصلح للبشر، ولا حتى للملائكة، باختصار لأنها تعيش في عالم من الأحلام الوردية في بعض الأبراج العادية، تأبى الإختلاط بالواقع الأليم الذي نعيشه، سأضرب لك في نفسك الأمثال، حالك كحال طبيب نسائية أتته امرأة لتضع فنهرها لأنها "تريد" أن تضع وليدها بين الألم والمغص والطلق والدم والماء، فلم لم تختار أن تضعه كما تضع الدجاجة بيضتها بسهولة زلقة؟
المرأة ليست دجاجة، والولد ليس بيضة، ووضع البيضة مؤلم للدجاجة أيضا، والبيضات الأول يكن ملطخات بالدم دوما.

وهذا هو الواقع، فالناس منذ وجدوا اكتشفوا الحروب ومارسوها، ويمارسونها، وسيمارسونها دوما، حتى يرث الله الأرض ومن عليها، سنة التدافع التي عليها الناس تسير، ولن يفيدك أبدا إخفاءك رأسك في الرمال متظاهرا بأن الحرب ليست حقيقة واقعة يومية متجددة، ما يفيد هو تشميرك للجد، وارتدائك لجلود النمور، ودخولك فيما دخل فيه الناس، وإدارة ما لا تستطيع وقفه، حتى لا يديره بدلا منك من لا يخشى الله ولا يرحم الناس، وحينئذ فعلى نفسك جنيت، كحال براقش. فقاتل يا إبراهيم ولا تكن جبانا، فرب مظلوم ينتظر أن تنصره لا ينتفع بكلامك المعسول عن السلام، ورب ظالم ينتظر أن تزجره لن يستمع لدعائك لسلم العالم، والسيف أنفى للسيف، والقتل أنفى للقتل، وقديما صدقت الناس بيض الصفائح، واليوم تصدقها أيضا، ولن يصدق القوي سود الصحائف حتى يرغم أنفه إلا ما ندر.

هذا هو الواقع، شئت أم أبيت، وغير ذلك إنما هي دعوة المظلوم إلى التخاذل، والقبول بالظلم، كحال من يرجو مغتصبة أن توقف مقاومتها لئلا تجرح شعور من يغتصبها.