Arrayأرجو البقاء في جو الأسئلة نفسها وعدم تفريع الموضوع
[/quote]


البعض ذكر أسباب سياسية وتاريخية واقتصادية ..وأنا سأضيف سببا يبدو لي مهما ...
ولا بد لي من ذكر مثال لأن في الحياة اليومية بعض براهين ..

كانت لنا زميلة في الجامعة بدت من أكثر وأشد الفتيات تحررا ، في السابعة عشرة من عمرها والسيجارة لا تفارق أصبعيها
وكانت الوحيدة التي لا تزور الحمام من أجل أن تدخن بل كانت تفعلها على مرأى من الجميع واستنتجنا أنها لا تخشى أحدا من أهلها ، وفعلا كانت تأتي إلى الجامعة تقود سيارتها وفي اليوم الثاني سيارة والدها وفي الثالث سيارة أمها وتصيف في لندن وباريس وكانت تقول أنها مداومة على الرقص في _الديسكوتيك_ هكذا كانت تقولها وأنها لا تملك من الأصدقاء إلا الذكور .. وبشرط الوسامة والجيب المليان والأهل الراقين ...

وفي يوم من الأيام حضرت هذه الطويلة الجميلة وهي ترتدي جلبابا وحجابا .. وشكلت لنا صدمة رهيبة
ويبدو أن أمها وأباها كانوا أشد ذهولا .. وبعد أيام تجرأت الزميلات وسألنها عن هذا التحول العجيب الذي اانتهت إليه ..
وكان من أهم أسبابه أنها كانت تفتقد إلى السكينة الروحية وإلى الأمل الذي لا توفره المادة المتوفرة بسخاء في محيطها ..
كانت إذا أصابها الحزن لا تجد من يحس بها حقا ..لكنها في الصلاة تشكو همها لله وتتأمل الخير القادم من عنده ...
ومثلها فعل شباب كثيرون وتحولوا من عابثين يطاردون البنات إلى ذوي لحى يشيحون بنظرهم كلما اعترضت صبية دربهم ..

باختصار ينطبق هذا المثال على وجود كل هؤلاء البشر في عالم أصبح ماديا والكترونيا ورقميا إلى حد عظيم والأمر يتطور بتسارع أعظم .. لكن كل ذلك التطور العلمي والمادي الغامر لا يعوض البشر الذي خلق من مادة وروح عن وجود الدين الذي يغذيه روحيا ويعطيه الأمل ويوفر له الملجأ الآمن إذا انغلق العالم في وجهه أو ضاقت الأسباب به ...
العلم يعطيك نظريات وقوانين ثابته ودقيقة لكن الله تأتي أقداره حسب مشيئته التي لا تخضع لأي قانون ولا يمكن التنبؤ بها أو التحكم بمسارها ..كمثل الموت الذي لا يحكم العلم حتى الآن قبضته عليه وهو يخالف أحيانا كل التوقعات وقوانين الاحتمال الرياضية والنواميس الفيزيائية والتقارير الطبية ..

وكلما ازداد العالم مادية ازداد المتدينون تطرفا وهربا بالاتجاه العكسي .. وكلما اشتدت الأطراف القوية في العالم ظلما وجبروتا
تمسك المتدينون بالمعالم الدنيوية والمظاهر الخارجية الدالة على وضعهم الديني كرد فعل يعتقد أنه يجابه نوعا ما وعلى قدر ما يملكون فعله للتصدي لذلك الجور ومحاولة الطرف المتفوق إلغاءهم دون وجه حق .. مثل الذي يضحي بحياته ليوصل كلمته واحتجاجه لأنه لا يملك طائرة أو صاروخ أو حتى رصاصا فاعلا يدافع به عن نفسه .. ولو امتلكها لما أقدم على إنهاء حياته ..

إذن دائما يكون رد الضعيف قاصرا وفيه قسوة يرتكبها الإنسان نفسه بحق نفسه ..
لا بد للعالم كله أن يتوازن حتى تختفي اللحية وينحسر النقاب ..