عزيزتي نسمة، أنا لا أبخس الفرنسيون أجبانهم، لكنها لا تصلح لما نريد، كما لا تصلح جبنتنا لما يريدون، تصوري أن تأكلي الكنافة النابلسية بجبن الروكفور، أو حلاوة الجبن بجبن الكاممبرغ.

كل جبن وله استعمالاته، وأجباننا لا يصنعها معظم الأوربيون، إلا من كان ملاصقا لنا في حوض المتوسط، مثل الموزاريلا البيضاء الإيطالية، أو الفيتا اليونانية، أو الجبن التشيكي، وهو رغم البعد فقريب إلى أجباننا، بل هو الأقرب بين الأجبان الأوربية.

أجباننا تعد أجبانا غير ناضجة في التصنيفات العالمية، وهو ما يميزها ويجعلها تصلح لما نريد، ذلك أن الجبن بعد انفصاله عن الشرش، وبعد أخذه شكل القالب، يوضع في الماء المالح مانعا البكتريا وغيرها من ال من إتمام عملية تقطيع الروابط الكيميائية في بروتينات الحليب ودهونه، والذي يعطي الأجبان الأوربية عموما والفرنسية خصوصا نكهتها المميزة.

بالنسبة لتصنيع ما نريد من أجباننا، نخص بالذكر الجبن العكاوي، فإن الحليب يستحسن كونه مخلوطا بين الغنم والعنز، ليجمع الصفتين المطلوبتين، الدسومة والمطاطية. أو على الأقل بين البقر والعنز.

بالنسبة لحليب العنز، فهو مفضل لمعظم الصناعات اللبنية، مثل اللبن الزبادي المطبوخ فقل أن يفرط لبن العنز، ومنه الشاكرية والشيشبرك والكبة اللبنية، وبالطبع لا ننسى اللبنة الماعزية المشكلة أزرارا والمكدوسة في الزيت، هذه بالذات تدق لها النوبة مرارا. وفوق كل ذلك الجبن المميز.

لحم الماعز أنصح به شخصيا، فقل أن يصاب بالديدان والجنون، ثم إن العنز حيوان نظيف متأنف، لا يقبل أن يأكل مما أكل منه غيره، ولا يشرب إلا من راس النبع، ولا يأكل إلا أطيب الأجزاء من النباتات، يخص البراعم والزهور والنباتات العطرية بتخريبه.

مشكلة العنز أنه حيوان مدمر للبيئة، ولعل العنز يأتي بعد الإنسان مباشرة في هذه الخصلة، وقديما قال علماء الفلاحة مثل ابن العوام الاشبيلي أن الضأن يقضم العشب قضما، فينبت بعده، والعنز يخلع العشب ثم يلوكه فلا ينبت بعده. وهي خصلة رأيتها بنفسي.

ميزة العنز أنه أذكى الأنعام، فهو لا يقبل إلا ما ينفعه، ولا يخضع لأحد، ولا يضل طريقه إلا متعمدا، وهو من أحن الحيوانات على طفلها. ثم إنه حيوان متئم غالبا، غزير الحليب، وحين يحمل اللحم يحمل معه القليل من الدهن.