الزميل أتماكا،

الإسراء ليس معجزة لأسباب عديدة، أهمها أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يتحد به أحدا، بل ولم يطلبه منه أحد على سبيل الإعجاز، ثم لم يشهده أحد، هذا بغض النظر عن أنه كان بالروح أم بالجسد.

الإسراء هو أمر خارق للعادة حصل مع رسول الله تثبيتا لفؤاده إذ تكاثرت عليه النوائب، وتطمينا له، وإرهاصا لنصره، ونحن لولا ذكر القرآن له لما علمناه، ولا نؤمن به إلا بالتبع، فلولا ورود النص الجلي عليه لما آمنا به طرفة عين.


لا يكفي مجرد وقوع الخوارق للنبي أن تكون هذه الخوارق معجزات، بل ينبغي أن تقترن الخوارق هذه بالتحدي إثباتا وليس نفيا، مع السلامة من المعارضة، ولم يبلغنا أن الرسول صلوات ربي وسلامه عليه وآله قد تحدى أحدا بالإسراء. ثم لا تسلم دعوى الإسراء من المعارضة، ألا ترى أننا نستطيع اليوم أن نخرج من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم نعود في ساعتين؟ فأين السلامة من المعارضة؟
المعجزة لا يمكن الإتيان بها مطلقا، ولا حتى بتقدم العلم والتكنولوجيا، فلن يبلغ العلم أبدا أن يخلق ذبابا، ولن يبلغ أبدا أن يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا، ولن يبلغ مطلقا أن يقلب العصا حية تسعى، ولن يبلغ مطلقا أن يخرج من الصخر الجلمود ناقة عشراء كناقة صالح، وهنا أنبه أن الزميل لتجثو باسم... قد أثبت عدم سلامة معجزات موسى من المعارضة لوقوع شبيه بها من قبل سحرة فرعون، وهذا من باب إبطال الإعجاز، وإلا فكيف تكون معجزة ويؤتى بمثلها؟

ثم قد تقع خوارق للعادات من باب النصر للنبي حين يستحيل النصر وفق الناموس الطبيعي، مثل شق البحر، ونبع الماء من الصخر، والنصر في بدر والخندق، وليلة الهجرة، وعذاب عاد وثمود والمؤتفكة وأصحاب الأيكة، هذه ليست معجزات رغم خرقها للعادات، هذه نصر من الله لأنبيائه وفق كيفية يريدها ليعلموا أن الأمر بيده ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، ولو أرادها الله معجزة لأبقى عدوه وتحداه أن يأتي بمثلها. هي نصر وانتقام، والله عزيز ذو انتقام.

الأخبار الواردة عن المعجزات أو الخوارق للعادات من قبل رسول الله محمد صلوات ربي وسلامه عليه وآله أو غيره من إخوته من أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، كلها لا ينظر فيها مطلقا ما لم تكن قطعية في الثبوت وقطعية في الدلالة معا، ذلك أن تطرق الظن إلى الثبوت أو الدلالة يجعل الخبر ليس يقينا، وقد نهانا الله عن الاعتقاد بالظن، ولا شك أن المعجزات من أصول العقائد في إثبات النبوات.