الأخ إبراهيم، ما استشهد به الجابري من موقع المتنصرين هو كلام في محاولة نفي صفة الأمية عن النبي محمد (ص) في سياق حديثه عن هذه الصفة في ذلك الفصل، وهو يرد عليه لا يستشهد به ليدعم موقفه.
يقول في صفحة 34: (كتب أحد الخائضين في هذا الشأن –أي نفي صفة الأمية- من المعاصرين مقالاً في الإنترنت حاول فيه أن يثبت خطأ ما ورد في الآيتين السابقتين –الصف 6 والأعراف 157-حسب زعمه...
ادعى صاحبنا أن صفة النبي الأمي لا وجود لها على الإطلاق في التوراة والإنجيل، لا تصريحًا ولا تلميحًا، وأن عبارة النبي الأمي الموجودة في القرآن قد تكون قراءه خاطئة لعبارة وردت في التوراة بصيغة ((النبي الآتي)) بعد موسى، ويبرر هذا الكاتب وقوع هذا الخطأ بكون الكتابة العربية كانت زمن جمع القرآن من دون نقط، وأن الذين نقلوا عن التوراة قرؤوا لفظ ((الاـي)) (تاء غير منقوطة) هكذا: (الأمي)، وأقحموها في القرآن زمن جمعه، مسندًا فرضية (الإقحام) هذه بكون عبارة (النبي الأمي) لم تتكرر في القرآن قط، مع أن الخاصية المميزة له هو التكرار!

وواضح كون الكتابة لم تكن منقوطة مسألة عامة، كان أثرها ينسحب على القرآن كله، وبالتالي فلا معنى لحصر تأثيرها في آية واحدة! تمامًا مثلما أن عدم تكرار عبارة ما في القرآن لا يكفي دليلاً على أنها إنما أقحمت فيه وليست منه، فكم من عبارة فيه لم تتكرر!

أما ادعاء الإقحام فهو مجرد افتراض لا دليل عليه، لا من قريب ولا من بعيد. فلماذا تقحم كلمة الأمي في هذه الآية وحدها مع أنها وردت في آيات أخرى بالمفرد والجمع: (الأمي والأميين)؟ أضف إلى ذلك أن هذا الادعاء يتجاهل أن القرآن محفوظ في الصدور، وأنه على هذا الجانب كان المعول، هذا علاوة على أنه لم تكن ثمة حاجة تملي مثل هذا الإقحام زمن جمع القرآن، وهو زمن انتصار الإسلام وانتشار الفتوحات، ولم يكن المسلمون وقتها في حاجة إلى توظيف أساليب الإقحام في الدعوة إلى الدين الجديد، ولا كانوا خائضين مع أهل الكتاب في هذه المسألة.

أما القول إن المسلمين نقلوا الكلمة خطأ من التوراة فهو افتراض يفتقر إلى أضعف شبهة لإسناده: فلماذا ينقل المسلمون من التوراة عند جمع القرآن هذه الكلمة وحدها ليخطؤوا في نقلها؟! هذا في حين أن عملية جمع القرآن من المصاحف قد خضعت لتدقيق كبير وتحريكات مشددة، سنتحدث عنها في حينهوصاحبنا هذا يعرفها من دون شك.

كما ترى فإن الجابري يرد على معترض في مجال موضوعه الذي هو صفة الأمية للنبي محمد (ص)، واقتباسه من كلامه لا مشكلة فيه بل هو خطوة جيدة في عدم الاكتفاء بنقل الاعتراضات من الكتب القديمة وتكرار الرد عليها. فهو لا يستشهد وينقل ما هب ودب ليثبت كلامه وفرضيته كما كان يفعل "المحدثون" مع الإسرائيليات ولا كما يفعل النجار في كتابه.

هذا الكلام يدور حول كلامك بأن الجابري ينقل من مواقع غريبة لا تليق بمستواه في النقد، وليس عن طبيعة فكره ومنهجه النقدي، ويكفي الاطلاع على كتابه هذا (مدخل إلى القرآن الكريم) لنعرف مدى رقيه وندرته.


أما النجار! فدعني أنقل لك بعض كلامه في كتابه (قراءه نقدية للإسلام) لنرى طبيعة اعتراضاته بل ومستوى ثقافته وذكائه:

وفي الآية التي بعدها: "إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونورٌ يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء". فقال الله أنه أنزل التوراة ليحكم بها النبيون، ونحن نعلم أن التوراة نزلت على موسي، ولم يكن بعد موسى إلا عيسى ومحمد، فهل قصد الله أن يحكم محمد بالتوراة؟ أم كانت هذه واحدة من الآيات التي حاول بها محمد استمالة اليهود

فهو لا يعرف من الأنبياء غير موسى وعيسى ومحمد!

يقول: (وإذا نظرنا للآية الخامسة عشر من سورة محمد نجدها تقول: "مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين". فإذا كان الخمر يصلح أن يكون جائزة للمتقين الذين يخافون الله ويفعلون كل ما أمر به الإسلام، لماذا حُرمت الخمر في هذه الحياة؟)
فهو لا يعرف أن خمر الآخرة غير خمر الدنيا! وهذه المعلومة يعرفها الطفل المسلم

وفي قصة النبي زكريا يقول: (وان نظرنا ماذا قال الله لزكريا لما طلب منه معجزة ليريها قومه عندما علم أن امرأته ستلد له ولدًا وهو رجلٌ كهل وامرأته كانت عاقرًا: "قال رب اجعل لي آيةً قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليالٍ سويًا". فهل إذن رفض زكريا أن يكلم الناس ثلاث ليالي تكون هذه معجزة)
فهو فهم أن زكريا رفض تكليم الناس رغبة منه، وهذه معجزة! ثم يتساءل كيف تكون معجزة؟!


ويقول: (وفي سورة الأنبياء، الآية 30: "أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقًا ففتقناهما". وطبعًا لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا ملتصقتين ثم فتقهما، لأن ذلك إن كان قد حدث، فحدوثه كان قبل أن يُخلق الإنسان، فكيف يكون الإنسان قد رأى ذلك)
فهو لا يعرف أن "رأى" تأتي بمعى "عَلِمَ" وتكون متعدية لمفعولين، وهذه من معلومات النحو في المدرسة،
ثم يخصص فصلاً ينتقد فيه بلاغة القرآن!


أما أكثر ما يضحك فهو قوله:
يقول: (ففي سورة الحديد، الآية 21، نجده يقول: "سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للذين آمنوا بالله". وقد رأينا في الفصول السابقة أن عرض السماء لا حدود له والأرض ليس لها عرض لأنها كرة. ولكن نستنتج من هذه الآية أن الجنة من الكبر بمكان يصعب معه حتى تخيل حجمها... وهذه الجنة عرضها السموات والأرض، وليس هذا فحسب، بل هناك جنتان لمن خاف مقام ربه: "ولمن خاف مقام ربه جنتان". وحتى الجنتان هذه سيكون من دونها جنتان: "ومن دونهما جنتان"... فأين إذن ستكون جهنم)؟

فهو فهم من الآية الأولى أن الجنة ستأخذ كل حيز المكان في الكون! ثم اكتشف أن هذا يعني أن جهنم لن تكون موجودة!!!!!

وهناك الكثير الكثير من هذا القبيل.
ويكفي أن تفرق بينه وبين النقاد في أنه لا منهج له في النقد سوى التخريب والتشويه، وهذا ليس نقدًا، بل نقضًا وهجومًا، فالنقد يعني مراجعة ما حسن وسيء، وليس كما يفعل النجار.


_____________________

البارحة حملت الكتاب سريعًا وقد كان مدير العمل فوق رأسي "ربنا يخده"! لا أدري إذا حدث خطأ أثناء ضغط الملف ورفعه، سأتحقق اليوم وعذرًا على الخطأ