ومهما كان الامر , فأن من الواضح أن عبد الله بن ميمون كان أحد التابعين المخلصين لبيت محمد (!!!!) . واذا فكرنا في النتائج المرعبة التي ترتبت عن تعاليمه, بشكل مباشر او غير مباشر , أتضح لنا أنه كان من المستحيل حتى على المؤرخين , كابن خلدون أن يتجنبوا النظر الى الرجل وتعاليمه على اساس غير مستحب .

وهم يظنون أن عبد الله بن ميمون رجل كانت تلهبه الرغبة في نسف سيطرة الاسلام بنفس الوسائل الجانبية التي تبناها معاصره العظيم ( كيروسير) ضد المسيحية .

وهم يقولون :
(( ولما كان أبن ميمون واعيا للمخاطرة المترتبة على اعلانه الحرب العلنية على سلطة راسخة في ضمائر الناس تسندها القوة الزمنية , نراه قد قرر اللجوء الى العمل السري كما فعل ماني ))

ومن أجل ذلك غلّف مذهبه بحجاب من الفوضى والابهام . ولكي يستطيع أن يستأصل الناحية الايجابية في الدين والسلطة قرر عبد الله أن يقسم أتباعه الى سبع مراتب كما فعل الفيثاغوريون من قبل . وكانت أخر هذه المراتب صُعُداً تتضمن القول ببطلان كل دين , وعدم المبالاة بالافعال , ( التي كان أبن ميمون لايفترض فيها أن يصاحبها ثواب او عقاب ),لا في الحياة ولا الاخرة .

وقد عيّن بن ميمون مفوضين من قبله ونشرهم في البلاد , , وكلّفهم أن يقبلوا المريدين , ويلقنوهم المذهب بالتدريج حسب استعداد كل منهم الى المرتبة الملائمة . وكان التظاهر بخدمة أبن اسماعيل يخدم هؤلاء الجماعة كقناع سياسي , في حين انهم بخدمتهم عبد الله كانوا يخدمون الالحاد ويكونون رسلا له .. النويري صفحة 298

ويصف الشهرستاني أتباع هذا المبدأ بروح فلسفية , بينما يصف (محسن فأني في كتابه (( دبستان )) هذه ( الاخوة ) بشكل دموي , لكننا اذا تدارسنا الموضوع بحرص , وجدنا انه من المحتمل أن يكون عبد الله بن ميمون ذا مذهب مادي , وانه مثل ماني , كان يلهبه الطموح لخلق مذهب طبيعي كهربائي يكون من شأنه أن يوفق بين الفلسفة وبين الدين , وتكون مراتب المريدين فيه شبه مطابقة لمراتب الصوفية . وأنه لواضح مما يذكره ( مير خوند ) أن الفاطميين في مصر تبنوا الكثير من عقائدهم وتعاليمهم المبهمة من عبد الله بن ميون القداح .. والاختلاف الجوهري بينهما أن عبد الله بن ميمون يقول بأن الامام المنتظر من نسل اسماعيل لم يظهر بعد . بينما يعتقد الفاطميون انه ظهر في شخص عبيد الله المهدي وخلفائه .

وقد تقدم عبد الله من الاهواز الى البصرة , ومن ثم الى سورية , حيث استقر في
(( السلمية )) . وفي خلال سفره وتنقله اتصل ابن ميمون بالبولسيين ونقل الكثير من معتقداتهم . ولابد أن الصراع الطويل المرير بين البولسيين والبيزنطيين , وكذلك نجاح البولسيين في الابقاء على مذهبهم , قد تركا أثرا كبيرا في نفسية ذلك الرجل الذي كان يرسم في أعماقه مشروع دين جديد .

لذلك نراه قد قولب تعاليمه بشكل جزئي , فبنى قسما منها على ماقال به ماني , وبنى القسم الاخر على التصوف الاسلامي .وتقوم المانوية في اصلها على رواسب من الفلسفة الفيثاغورية والزرادشتية والمسيحية .

يتبع ................