إغتيال الحريري .. الزلزال اللبناني ـ «كربلاء سنية» بعد الحريري؟
فؤاد مطر

يوم استقالوه في خطوة لم يراعوا فيها اي حال هي عليه حال لبنان الدائم التوعك، قرأتُ في عيون الناس ملامح أسف لم اجد ككاتب ما يلخصها افضل من قول الشاعر العربي «اضاعوه وأي فتى اضاعوا...». ومنذ ذلك التضييع ولبنان في تراجُع متواصل من دون ان يكون هنالك فتية يعوِّضون الفتى المضيَّع.
فجأة بدأ الانكماش في الاسواق وبدأ الخوف يدق ابواب اللبنانيين على مدار الساعة. وبدأت لغة التخاطب بين اهل السياسة تتسم بمفردات في غاية البشاعة. وصار اللبنانيون يسمعون من اهل الحكم واهل المعارضة كلاماً لا علاقة له بمناخ الحرية والتعددية والديمقراطية. فهذا المناخ لا يجيز لبعض هؤلاء القول انهم سيفعلون برؤوس خصومهم ما يفعله الذبَّاحون بذبائحهم. لغة تتعارض مع التراث الادبي والخلقي الذي طالما تغنى به اللبنانيون احفاد جبران خليل جبران وعبد الله العلايلي وكوكبة من اهل الفكر.
وبعدما كان الهم الاساسي هو أن يعود لبنان واحداً ولا يستمر لبنانيين، على نحو ما كان يخشى هذا المشهد في استمرار الرئيس الراحل صائب سلام، بات لبنان بين تضييع رفيق الحريري كرئيس للبنان الذي هو موضع قبول العالم به ومن دون تحفظات هذه الدولة او اعتراضات تلك، وبين سقوطه أمس مضرجاً بالانجازات المبهرة والمواقف البنَّاءة كما كل القادة الفرسان الذين يؤمنون بالحلول الواقعية وبالتعاطي الحضاري مع دول العالم، بضعة لبنان او فلنقل ثلاثة: لبنان الذي لا يريد الفكاك عن سورية وايران، ولبنان الذي يريد الاحتماء بالخيمة الاميركية ـ الفرنسية، ولبنان الحائر الذي يريد ضمناً وصلاً باميركا وفرنسا ولا يريد ضمناً وخجلاً هجراناً للجارة السورية.
وفي ظل هذه اللبنانات الثلاثة استطاع رفيق الحريري ان يحافظ على التوازن الوطني والقومي ويُبقي على سعيه من اجل ان لا تذوي شمعة لبنان المقبول عربياً ودولياً والمتفهم للخصوصية اللبنانية.
كأنما من هم ظاهرة في الزعامة السنية مآلهم الى الاستشهاد. فهذا رياض الصلح يقضي شهيداً وهو في عمان بعد نهاية زيارة هي من اجل لبنان الذي يجب ان يبقى قرة عين اشقائه وموضع قبول العالم به.
وهذا رشيد كرامي يقضي من اجل ان يستعيد لبنان صفاءه الوطني وتتوقف جولات الاحتراب والنحر على الحواجز وعلى الهوية. وهذا رفيق الحريري الظاهرة الأكثر تجدداً في الزمن الأكثر تعقيداً يقضي لأنه اراد خيراً بلبنان وتماسكاً لوحدة عاصمته بيروت وثباتاً على نهج اعادة لبنان البشر إلى وداعته بعدما قطع اصعب الاشواط في اعادة لبنان الحجر الى رونقه.
جاء استشهاد الرجل أمس يحمل في طياته نذير سوء بلبنان. [SIZE=5]وجاء في وقت تتكاثر فيه احتمالات ان تحسم المؤسسة العسكرية الموقف بانقلاب عسكري. ...
a new and possible semario...
:brock: :rose:


وجاء يفرش دروب الوطن بالحقد ويؤسس لـ «كربلاء سنية» اين منها بالنسبة الى لبنان «الكربلاء الشيعية». ومن المصادفات ان الفاجعة اللبنانية بالحريري حدثت بينما مجالس العزاء العاشورائية على حيويتها المعهودة في المجتمع اللبناني الشيعي منذ ثلاثة ايام.
وما نخشاه، عدا الخشية على الاستقرار المهتز اصلاً والاحوال السنية اصلاً والبؤس الاخلاقي المستشري اصلاً، أن تكون من جملة دواعي انهاء ظاهرة الحريري هو الشروع في تدمير مؤسسات الثراء العربي وبحيث لا تعود في المنطقة اموال واثرياء. وهذه مهمة «مافيات» ربما يأتي يوم يتبين لنا فيه ان هنالك ممثلين لها داخل بعض اجهزة الحكم العربية.
في ذمة الله رجل دولة كان دائماً رمزاً للأمل في بلد مسكون باليأس... ومع ذلك فإنه استطاع وضع هذا البلد الذي اسمه لبنان في جدول اعمال اهل القرار الدولي في كل مرة يجتمعون. ويا لسوء عاقبة هذا البلد اذا كان الذي اصاب رفيق الحريري او بالاحرى اصاب لبنان في شخص الحريري سيؤسس لـ «كربلاء سنية».