وقد صاغ عبد الله بن ميمون ايضا مبدأ التُقية وهو (الانسجام الخارجي مع اعتقاد ديني اجنبي او ممارسته ) في عبارات مقتضبة .وكان ذلك شائعا بين جميع المذاهب المانوية _ ودون أستثناء البولسيين .

وقد أعاده عبد الله بن ميمون لسببين :

اولهما: تجنُّب الاضطهاد .
والثاني :تسهيل عملية التلقين .

والتُقية هي الدفاع الطبيعي الذي يلجأ اليه الضعفاء والمضطهدون ضد الاقوياء .
فليست طبيعة الناس جميعا تتحمل الاستشهاد . والكثير منهم يضطرون الى الرضوخ عندما يعجزون عن مقاومة اعدائهم . وهذا ما جعل المسيحيين الاولين يستعملون التقية .
لقد كان على الاسماعيليين , لاسباب خاصة , أن يخفوا معتقداتهم في طول وعرض البلدان الخاضعة للخلفاء العباسيين .ولما طال عليهم زمن التستر طلبا للنجاة , صارت التقية طبيعة ثانية لهم . وعنهم أخذ الشيعة عادة أستعمال التقية هذه . فقبل ان تتصالح ايران وتركيا كان على الشيعي أن يقوم بشعائر السني عندما يقوم بأداء فريضة الحج .

وبطبيعة الحال كانت التقية في مثل هذه الحالات ضرورة لازمة للشيعي الورع الذي يرغب في زيارة الاضرحة المقدسة . الا أن هذه التقية , وهي الابن الطبيعي للاضطهاد والخوف , قد غدت عادة متأصلة في نفوس الفرس الشيعيين
الى درجة أنهم اصبحوا يمارسونها حتى في الظروف التي لاتكون ضرورة فيها . وهم يفعلون ذلك لتجنب الاساءة الى غيرهم واثارة الشكوك عندهم , تماما كما يفعل البروتستانتي فيتقبل بعض طقوس الكاثوليكية في البلدان الكاثوليكية .

أما حمدان المدعو قرمط فقد انفصل عن ((محّمده))وأنشأ مذهباًخاصأ به .كان عبد الله بن ميمون قد نهى عن استعمال العنف في تلقينه , أما قرمط فقد دعا الى ذلك , وأعتبره حجر الزاوية في مذهبه الجديد.وربما أنه مثل كيروسير , قد لجأ الى ذلك بفعل اضطهاد المذهب السائد له .لقد اشعل نار الثورة في الاحساء والبحرين . وكان ضعف جيوش الخليفة مما كتب له النصر . فماكان منه الا أن فعل مثل ما فعل كيروسير , فجمع جيشا هائلا من اتباعه وتقدم من البحرين ينشر الخراب والدم .
وقد ظل القرامطة , من معاقلهم في البحرين والاحساء , في صراع دام طوال قرن كامل من الزمن مع خلفاء بغداد .لقد هاجموا مكة ونقلوا الحجر الاسود , وهو رمز القدم من عهد ابراهيم , كما فعل الوهابيون بعدهم بتسعة قرون , وأقاموا لهم مركزاً جديداً في (( الهفوف)) للتعبد فيه حسب معتقداتهم الجديدة .وكما فعل البولسيون الذين دمروا (( أمنس)) وحطموا ضريح القديس حنا وحولوا كاتدرائيته الى اسطبل للبغال . ولكن عهد القرامطة كان قصيرا حيث فتك بهم الخليفة العباسي المعتضد , وازال أثارهم .

وقد حُرّمت الاسماعيلية بعد قهر القرامطة وصار اتباعها يُقتنصون ويُفتك بهم ,فكان على الاسماعيلية أن تخفي راسها في كل مكان .وقد استمر ذلك الى أن استطاع عبيد الله المهدي أن ينتزع افريقيا من العباسيين .

يتبع ..........