الشيع الدينية في الاسلام
وكان الفاطميون في مصر خير معاضدين للعلم والمعرفة , بيد انهم مع رغبتهم العظيمة في نشر المعرفة بين رعاياهم لم يغفلوا عن الحسنات السياسية التي تتوفر في التنظيم الدعائي الذي اسسه عبد الله بن ميمون .وكانوا قد تبنوا الكثير من معتقداته المانوية وجعلوها تخدم اغراضهم .لقد أسسوا الكليات والمكاتب العامة , واهمها دار الحكمة , وزودوها بالكتب وادوات الحساب , وخصصوا لها اموالا طائلة . كما عينوا فيها عددا كبيرا من الاساتذة والمدرسين . وكان الالتحاق بهذه المدارس , واغتراف كنوز المعرفة هذه , والاطلاع على نسخ المخطوطات القيمة مسموحا به للجميع دون كلفة .
وكثيرا ماكان الخلفاء الفاطميون يعقدون المناظرات العلمية حيث يتناقش مدرسو هذه الاكاديميات , كل في حقل أختصاصه , كالمناطقة , والرياضيين , والفقهاء , ورجال الطب , وهم يرتدون الخلعة او الملابس المميزة لمراكزهم العلمية .
ولاتزال الازياء المميزة للجامعات الانكليزية المختلفة في الوقت الحاضر تحفظ لنا شكل الخلعة والقفطان العربي .
وكانت هنالك (257000)) دوكا تدفعها الخزينة العامة هي المخصص السنوي الذي يُنفق على هذه المعاهد كرواتب للمدرسين والموظفين , ولتوفير ما تتطلبه تلك المعاهد من خدمات ومواد . وفي هذه المعاهد كانت تُدرس جميع فروع العلوم . وكان يرتبط بدار الحكمة مأوى يتم فيه تلقين تعاليم الاسماعيلية بشكل دائم وكان من العادة أن يلقي داعي الدعاة درسه مرتين في الاسبوع :
يوم الاحد ويوم الاربعاء , ويحضرها الرجال والنساء وهن يرتدين البياض وينحزن الى جانب من الحلقة . وكان يطلق على هذا الاجتماع أسم مجلس الحكمة . وقبل البدء بالدرس كان داعي الدعاة يستأذن الخليفة , وهو الداعي الاكبر , ليطلعه على الدرس الذي سيلقيه على المريدين الجدد , كما ينال بركة توقيعه على ظهر الدفتر وبعد أنتهاء المحاضرة كان التلاميذ يقبّلون يد داعي الدعاة ويلمسون توقيع الخليفة بجباههم .
ويصف المقريزي مراتب التدرج هذه التي تشبه مراتب محفل الماسونية الحرة
وفي الحقيقة , أن هذا المأوى في القاهرة قد غدا فيما بعد مثالا تنسج على منواله جميع ديار المسيحية . لقد اسس عبد الله بن ميمون سبع مراتب , وال ( سبعة ) عددد مقدس , فهناك سبعة نجوم ثابتة وسبعة ايام في الاسبوع , وسبعة أئمة في الدين .
ولما كان الميل الى التقديس عميق الجذور في الذهنية المصرية وممتزجاً بالحلقات الصوفية , فقد تم فرض تلك المراتب على اسس مانوية , فزيد العدد من سبعة الى تسعة , وكانت الدرجة الاولى هي اصعب الجميع . وهي تتطلب وقتا أطول من غيرها لتشكيك عقل المريد , ولاستمالته لحلف تلك اليمين المغلظةالتي يربط بها نفسه الى العقيدة السرية بأيمان أعمى وطاعة مشروطة . وبعد ذلك تكون العملية سهلة للغاية حيث يقاد المريد الى التعرف على المبادئ الباطنية ليغدو اداة طيعة في سبيل المطامح الواسعة .
وكانت حلقات التدريس في المهدية ثم في القاهرة فيما بعد , مراكز بعيدة الاثر من ناحية الدعاية السياسية . أما معرفة المبادئ التي تسير بموجبها تلك الحلقات فقد كانت مقصورة على قلة معينة .
وكما هي الحال مع اصرار مبادئ فرسان الهيكل والعلمانيين والثوريين في فرنسا لم يكن يناط اللثام عن تلك الاسرار الا للقلة فقط , وبشكل جزئي , اي لذلك النفر اليسير الذين يُقصد استخدامهم لنسف قوة الاعداء من اساساتها .
أما بالنسبة للجماهير والذين لم ينالوا مراتب في تلك الطريقة فقد كان دين الدولة الرسمي هو الاسلام .وكانت مبادؤه الاخلاقية , وممارسة فروضه العبادة شيئا تشدّد عليه الدولة بكل اصرار . وكان معظم الخلفاء , والمعز لدين الله خاصة , أتقياء ذوي ورع يقومون بتأدية واجباتهم الدينية وحقوق الشرع كاملة . وكان الفقهاء وموظفو الدولة مسلمين اتقياء ايضا .
ومهما يكن الامر فأن حقيقة وجود هيئة سرية تسير على خطوط غامضة كان بفكك عرى المجتمع . والحق أن تنظيم المبعوثين السرّيين هو الذي اضعف سيطرة العباسيين دون أن يزيد في قوة الفاطميين او يوسع مدى نفوذهم الزمني .
وقد اطلق على الفاطميين في مصر أسم أسماعيلية الغرب مقابل أتباع الحسن بن الصباح الحميري والمعروف عامة باسم حسن الصباح . وهو صاحب تلك الشهرة السيئة في التاريخ عند الغربيين الذين يعرفونه كمؤسس لنظام الحشاشين . ولكنه معروف لدى أصحابه باسم (( سيدنا )) ويطلق على تلاميذه أحيانا أسم الاسماعيليين الشرقيين أو ملاحدة كوهستان .
كان الحسن أبن فقيه شيعي , عربي النسب , كما يشير اسمه , يعيش في مدينة خوى من فارس . وقد نال شتى فروع علم زمانه , ويقال أنه كان زميلا في دراسته لنظام الملك , الذي غدا وزير الب ارسلان وملك شاه السلجوقيين في الشرق وكذلك زميلا للشاعر الصوفي عمر الخيام .
ولما فشل طموح حسن الصباح في أن ينال وظيفة عالية في بلاط ملك شاه تقدم الى البلاط الفاطمي في القاهرة حيث المأوى القاهري . وكانت فارس في ذلك الوقت خاضعة لتشدد المذهب السني الذي كان سلاطين السلاجقة يزيدونه مثيرا لانهم من أتباع المذهب الاشعري المخلصين .
وعاد الحسن من مصر الى اسيا فأستطاع بالعنف حينا وبالخداع حينا اخر
أن يستولي لنفسه على قلعة ( الموت ) المحصنة ومعنى اسمها عش العقاب وهي تقوم في معقل جبلي حصين في اعالي بلاد فارس .. .
وخلال الخمسة والثلاثين سنة التي تمكن فيها الحسن الصباح من السيطرة على تلك المنطقة أستطاع ذلك الداهية أن ينظم جهازا يبعث الرعب في اسيا واوروبا الشرقية وافريقيا . وذلك لانه كان بوسعه أن ينتقم من الاضطهاد بالاغتيال .
وكان الحسن نفسه محافظا على جميع مظاهر الدين , لايسمح بالسكر أو الرقص أو الموسيقى في منطقة نفوذه . ويبدو أن باطنيته تختلف عن تلك التي دعا لها الاسماعيليون الغربيون . ويشرحها كل من الشهرستاني ومحسن فاني بأسهاب وأن كل من الرجلين يتكلم عن صاحبها بمزيج من الخوف والرهبة مما يجعل القارئ يشّم أنهما كانا يخشيان خناجر فدائييه .
المادة التاريخية من كتاب المؤرخ الهندي سيد امير علي " روح الاسلام " يتميز الكتاب بنظرته الموضوعية الصرفة ويعمد الى المقارنة بين الديانات السماوية والديانات الوضعية ويبين أن النظام الفكري الذي جاء به محمد براء مما الحق به من خزعبلات الحقها بعض اتباعه في عصور متأخرة .
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 07-22-2008, 11:52 AM بواسطة طيف.)
|