بوعلي ياسين
Array
كان لرحيل بوعلي ياسين أثر من الحزن في أوساط الفكر العربي، سيبقى مديداً.
لقد عاش الرجل منعزلاً بقدر ما كان حاضراً في قلب الوطن ولعل قراره في العيش منعزلاً جاء تعبيراً عن رفضه "للأضواء"التي غالباً ما كانت في حياته- وهي لا تزال كذلك- زائفة رخيصة. وفي عزلته "المفتوحة" تلك كتب وترجم من الأعمال ما هو جدير بالبقاء ركناً من أركان الفكر والثقافة باللغة العربية، وكان إلى ذلك منافحاً سجالياً عما يراه صحيحاً دون إغفال للتعددية واحترامها والإقرار بها نظراً وعملاً. ومع أن بوعلي ياسين لم يكن قد تكون تكويناً أكاديمياً نظامياً على صعيد الفكر النظري، بما يشتمل عليه من فلسفة وعلم جمال وقضايا التراث والتاريخ والحداثة وغيره، فإنه أنتج من الأفكار التراثية والتاريخية والسوسيولوجية التنظيرية ما صنع منه مشروع مفكر بارز(1). وفي هذه الحال ينبغي القول بأنه أنتج الكثير قياساً إلى الفترة الزمنية التي كانت تتاح له فيها إمكانية التفرغ الجزئي- على الأقل- على صعيد البحث والتقصي، فقد كان الرجل "رجل موقف" يأبى على نفسه أن يعيش إلا من "عرق جبينه" في أزمنة استبيحت بها رقاب كثير من حملة القلم قسراً أو طوعاً أو على نحو آخر من الأنحاء.
وقد أعلن بوعلي ياسين نفسه أن المثقف يمثل "وحدة واحدة" ليكسر من هذا الموقع ما قد يتشكل من حدود هشة بين الأنساق المعرفية في رأسه وإنتاجه المباشر وهذا يمثل نمطاً من أنماط الموسوعية المقبولة والمطلوبة.
وهي غير تلك التي سادت في العصور الوسطى العربية والأوروبية والتي قامت في الأعم الغالب إلى إقصاء الاختصاصات الضيقة بسبب عدم ظهور الأنساق العلمية المفردة بعد، وفي هذا كان بوعلي ياسين يرى الباحث في ضوء المثقف والمثقف في ضوء ذاك، ومن هنا يغدو واضحاً لمَ جمع الفقيد في شخصه ذلك التنوع في الكتابة التاريخية والاقتصادية والفلسفية أو الاجتماعية والتراثية وغيرها. ولعل كتابه "العرب في مرآة التاريخ" يقدم أنموذجا حياً لشخصية الفقيد الفكرية فهو هنا يعلن عن شكوى كان قد قدمها احتجاجاً على امتناع الصحافة الفكرية البيروتية عن نشر دراسة كتبها حول كتابين لنا هما "مشروع رؤية جديدة للفكر العربي في العصر الوسيط" و"من التراث إلى الثورة- حول نظرية مقترحة في التراث العربي". في كتابه المذكور يكتب مقرراً: (إذا كنا لا نريد أن نسمع ، وهذا يساوي هنا: أن ننشر أو نسمح بالنشر، إلا ما يسرنا فهذا يعني: إما أننا لا نريد أن نبحث أية مشكلة وبالتالي لا نريد أن نحل أية مشكلة، فنكون متخلفين مع سبق الوعي والإصرار. أو يعني أننا نعرف المشاكل فنحصر الفكر في هذه المشاكل التي حددناها نحن سلفاً، ولا نعير اهتماماً للمشاكل التي يطرحها غيرنا، وهذا موقف يقوم على اعتقاد خاطئ بامتلاكنا الحقيقة. أو يعني أننا لا نرى أية مشكلة.. والأرجح أن نكون عندئذ نحن المشكلة).
إن بوعلي ياسين في احتجاجه ذاك، يضع يده على واحدة من أخطر سمات الفكر العربي المعاصر، إنها سمة التعصب والأحادية والمصادرة على الحوار الديمقراطي المفتوح.. فهو بهذا يمتلك فضيلة الكشف عن تلك السمة من موقع كونه أحد ضحاياها. إن غياب وتغييب الإقرار بالتعددية الثقافية عموماً في معظم أوساط الثقافة العربية المعاصرة، أديا إلى نتائج خطيرة في الحياة العربية بمختلف حقولها وخصوصاً منها الثقافي والسياسي. وإذا وضعنا في الاعتبار أن ظاهرة الأصولية الدينية التي برزت بشحنات جديدة خطيرة منذ العقدين الأخيرين من القرن المنصرم تحت وطأة التهدم العربي الاقتصادي والسياسي والسوسيوثقافي، فإن النظام السياسي العربي إذ "يكتشفها" فإنه يسعى بكل الإمكانيات المتاحة لجعلها فزاعة يواجه بها القوى الثقافية والسياسية العربية الحية وذلك بوضعها أمام خيارين اثنين: إما تلك الأصولية وإما هو! وقد انعكس هذا الأمر في الوضع العربي العام، وأنتج نمطاً آخر من "الأصولية" في الأوساط "العلمانية" يقوم كذلك على التعصب لـ "رموز" لا يجوز تجاوزها من موقع التقدم الاجتماعي والثقافي.
لست الآن في موضع من يرثي باحثاً مرموقاً بقدر ما أعمل على إعادة الاعتبار له بتقدير عميق على الأقل من موقع كوني قرأته باحترام ومتعة، وإن لم أكن قد عرفته بكيفية مباشرة، وفي هذا وذاك دعوة راهنة إلى إعادة بناء الفكر العربي الراهن على نحو نقدي صارم يقود ضمن ما يقود إلى "اكتشاف" أو "إعادة اكتشاف" ممثليه ورموزه ومنتجيه ضمن سياقاتهم التاريخية والاجتماعية والبنيوية الفكرية. ولا شك أن الراحل بوعلي ياسين يجد موقعه المرموق هنا.
وجدير بالإشارة أن شخصية بوعلي ياسين الفكرية لا تفصح عن نفسها بصيغة ما أنتجه البحث والتقصي فحسب، بل كذلك بما يقدمه من ترجمات لعدد من الأعمال والدراسات وأهمية ذلك تظهر في اختيار ما ترجم وغطى جانباً ملحوظاً من المكتبة العربية على امتداد العقدين الأخيرين من القرن العشرين. فإذا دققنا في العناوين التي حملت ترجماته وضعنا يدنا على عمق الإحساس بأهميتها معرفياً وإيديولوجياً في الفكر العربي فمن "الأزمات الاقتصادية" إلى "المادية التاريخية والتحليل النفسي" و"الطوطم والتابو" و"اصل الفروق بين الجنسين" و"نمط الإنتاج الآسيوي" يلاحق الباحث مجموعة من المشكلات والإشكاليات التي شغلت حيزاً غير ضئيل من الفكر العربي المعاصر. وإذا كان الأمر على هذا النحو فإنه يظهر بمزيد من الأهمية حين نضعه فيما يتصل بإنتاج بوعلي ياسين الخاص فقد كان الرجل مسكوناً بقضايا الوطن وهمومه فكتب ما رأى أنه يسهم في الإجابة عن هذه القضايا والهموم، هاهنا نتبين التنوع الكتابي الملفت في إنتاجه بحيث يمكن القول أنه غطى لوحة واسعة مما نحن بصدده.
لقد كتب بوعلي ياسين حول القطن وظاهرة الإنتاج الأحادي وحول السلطة العمالية على وسائل الإنتاج كما عالج مسألة الأرض والفلاح السوري، لينتقل إلى الحقل الثقافي الإيديولوجي حيث أنتج كتاباً في الأدب والإيديولوجيا في سورية بالاشتراك مع أستاذ آخر، وكتاباً حول أزمة المرأة في المجتمع الذكوري العربي مخترقاً قضايا الثقافة في سورية عبر المعارك التي دارت فيها "مع أستاذ آخر" وغير ذلك مما قام به بوعلي ياسين بدأب وجدية وعمق.
هكذا رحل الباحث بوعلي ياسين وقد خلف وراءه ما يجعل اسمه ذا حضور في الفكر العربي وفي الحياة العربية العامة. وإذا كنا نعيش الآن مرحلة مركبة معقدة ومستعصية قد نطلق عليها مصطلح "حطام عربي مفتوح" فإننا لا شك واجدون عند الفقيد الباحث الكثير مما يتيح لنا أن نبقى على هذا "الحطام" مفتوحاً وأن نستشرق من الأدوات المعرفية والشحنات الإيديولوجية الديمقراطية ما يحفز على اجتراح مشروع نهوض جديد يجيب عن قضايا وهموم الداخل ويشكل رافعة مواجهة حازمة لمخاطر الخارج ومن ثم فإن الدفاع عن العقلانية والديمقراطية والتنوير والتحفيز على تحويلهم إلى ركائز في حياتنا يمثلان مدخلاً من مداخل الوفاء لبوعلي ياسين في كل ما أنتجه وأبدعه وما بقي مسكوتاً عنه في حياته ولكن ظل طامحاً إلى الظهور.
______________________________
من ملف عن بوعلي ياسين
جريدة الثورة 27/5/2000[/quote]
مؤلفات بوعلي ياسين
1ـ الثالوث المُحرم: دراسة في الدين والجنس والصراع الطبقي ـ 1973.
2 ـ القطن وظاهرة الانتاج الأحادي في الاقتصاد السوري ـ 1974.
3 ـ الأدب والأيدولوجيا في سورية (بالاشتراك مع نبيل سليمان) ـ 1974.
4 ـ السلطة العمالية علي وسائل الانتاج في التطبيق السوري والنظرية الاشتراكية ـ 1979.
5 ـ حكاية الأرض والفلاح السوري ـ 1979.
6 ـ معارك ثقافية في سورية (بالاشتراك مع نبيل سليمان ومحمد كامل خطيب) ـ 1979.
7 ـ أزمة الزواج في سورية ـ 1979. والذي صدر في طبعة ثانية مطورة بعنوان : أزمة المرأة في المجتمع ألذكوري العربي ـ 1991
8 ـ الماركسية والتراث العربي الاسلامي (مُشترك مع عدد من المؤلفين) 1980.
9 ـ قراءة في وثائق الوكالة اليهودية في فلسطين ـ 1982.
10 ـ ينابيع الثقافة ودور الصراع الطبقي ـ 1985.
11 ـ خير الزاد من حكايات شهرزاد: دراسة في مجتمع ألف ليلة وليلة- 1986.
12 ـ نحن والغير في السياسة والاقتصاد ـ 1990.
13 ـ عين الزهور: سيرة ضاحكة ـ 1993.
14 ـ علي دروب الثقافة الديمقراطية ـ 1994.
15 ـ بيان الحد بين الهزل والجد: دراسة في أدب النكتة ـ 1996.
16 ـ حقوق المرأة في الكتابة العربية منذ عصر النهضة ـ 1998.
17 ـ الأحزاب والحركات القومية العربية مُشترك) ـ 2001.
18 ـ أهل القلم وما يسطرون ـ 2001. صدر بعد وفاته.
كتب مُترجمة:
1 ـ المادية الجدلية والتحليل النفسي ـ فيلهلم رايش ـ 1980.
2 ـ الأزمات الاقتصادية ـ أوتو راينهولد ـ 1980.
3 ـ اصل الفروق بين الجنسين ـ أرز ولاشوي ـ 1982.
4 ـ الطوطم والتابو ـ فرويد ـ 1983.
5 ـ نمط الانتاج الآسيوي في فكر ماركس وانجلز ـ كارل ماركس، هلموت رايش ـ 1988.
6 ـ أوراق من الرزنامة ـ برتلود بريشت ـ 1992.
7 ـ مُستقبل الحياة في الغرب ـ غيرد غيركن، ميشائيل كونيستر ـ 2000.
8 ـ الموساد ذراع داؤود الطويلة ـ 2003.
_______________
الثالوث المحرم - بوعلي ياسين
دراسة في الدين والجنس والصراع الطبقي
http://www.4shared.com/file/40226999/601...louth.html
كلمة السر
akhawia.com
___________________
أزمة المرأة في المجتمع الذكوري العربي - بوعلي ياسين
http://www.2shared.com/file/3649811/24de...iacom.html?
كلمة السر
akhawia.com
:redrose: