خاتمة الموضوع

حاولت في هذا الموضوع ان اعرض وبطريقة فجة امرين كثيراً ما تلازما عبر التاريخ، هما: الخطاب الايدلوجي وطرق كسب الجماهير، وايضاً نشوء الايدلوجية نفسها باعتبار انها مرآة مشوهة للواقع، او قل نوع من تسطيح العلم.

الخطاب الجماهيري

يعلم كل متمرس في فن الخطابة، ان الجمهور لايفهم المنطق، ولا يفهم الحجة والاستدلال العقلي، والجمهور على هذا لاينظر الا الى الزبدة او خلاصة قول الخطيب، فاما ان يقبل النتيجة من خطابه كلها اذا كانت متوافقة مع بديهياته و تطلعاته او يرفضها كلها اذا كانت تخالفها. فالجمهور عاطفي وهو يقتنع بالخطاب الذي يداعب عواطفه ولايقتنع بالخطاب الذي يداعب عقله. ولهذا اعتنى الخطباء بانشاء الخطب الحماسية التي تحرك الغرائز البدائية عند الجمهور وتحوله الى قوة بهيمية بيد الخطيب.

كل الايدلوجيات التي نجحت عبر التاريخ. استغلت الجانب العاطفي عند الجمهور. انها تخبره بانك ايها الشعب مظلوم، وان بؤسك لست انت السبب فيه...ان بؤس الشعب سببه خارجي وانه اذا زال هذا السبب صرتهم سعداء وحققتهم ما تصبون اليه. والخطيب هنا يعد الناس بما يريدون ويمنيهم بما تشتهي بطونهم وغرائزهم.

كان محمد نبي المسلمين يقول للناس: انهم سواسية كاسنان المشط، وكان يعدهم بانهار من الخمر وبساتين فيها ما لذ وطاب من الفاكهة واللحوم الشهية مع ما يشاؤون من الكواعب الحسان. وكان هذا غاية ما يطلبه البدوي وغاية ما يطلبه العبد التائق الى الحرية. انهم لم يفهمو كيف وصل محمد الى هذه النتيجة، سواءاً هبط عليه وحي او وصل الى هذا الامر بعقله، فهذا لايهم، المهم هو النتيجة او الزبدة من كلام محمد. هذا امر ربما نعود اليه فيما بعد بالتفصيل، لكن في سياق الكلام، جمهور المؤمنين بمحمد كان اغلبهم جاهل باي اثبات على كلامه وهو حتى لم يسأل دليلاً. بل تبع الفكر الذي يداعب الاوتار الحساسة بالنسبة اليه. لا عجب ان محمد هو اقل الانبياء معجزات، اذ لا احد اهتم بالاثبات طالما النتيجة متوافقة مع ما يطلب الجمهور.

وحينما نأتي الى الماركسية، نجد نفس الكلام، اغلب الماركسيون لايعلمون عن الماركسية شيئاً، سوى انها مع المظلومين والمستغلين والعمال والفقراء وضد المستغلين (بكسر اللام) ومصاصي الدماء والامبريالية والصهيونية وانها تعد بمجتمع عادل يتساوى فيه الجميع. انهم لايعرفون منها سوى هذا. ولذا يرونها غاية املهم. وفكرة عظيمة لايجوز التطرق الى الشك فيها. انها بالفعل غاية ما يمكن ان يصل اليه فن الخطابة في مداعبة عواطف الناس واستغلال احتياجاتهم. ان الماركسية لاتصمد امام العلم او امام العقل. لكن الناس لايفهمون المنطق ولايفهمون العقليات. بل يفهمون واقعهم البائس لا غير.

في القصة نجد:

" ران صمتٌ مطبق على انحاء المكان حتى خيل لجان ان القوم اصابهم الخرس، لم يفهم القرويون كثيراً مما قال جان، الا ان كلامه داعب وتراً حساساً لديهم، لقد كانو فقراء ينخر جسدهم البؤس والمرض، وجان يتحدث عن السعادة والغناء والشفاء وهو غاية أملهم."

فجان كلامه مغالطة، ولعل اغلبكم يعرف اين المغالطة في كلام جان، لكن الناس لم ينتبهوا الى ذلك، بل انتبهوا الى النتيجة مما يدعو اليه:

" فهلموا معي يا إخوتي وحاربوا العاطلين عن المضغ ومصغري اللقمة ومثقفي الريجيم وآكلي الشوكة والسكين، فقد افلح من عمـّر فمه وحرّك فكه وهذا هو قانون الحياة."

وينجح جان في تحريك عواطف الناس ومخاطبة معدتهم الجائعة.
هذه هي الايدلوجيات على حقيقتها.

...يتبع

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع		الكاتب	الردود	المشاهدات	آخر رد
	هل الحياة جديرة بالاحترام ؟	نيو فريند	12	3,887	11-09-2011, 03:43 AM آخر رد: السيد مهدي الحسيني
	جمال الحياة في توازنها الموسيقي	داعية السلام مع الله	5	1,724	11-01-2011, 07:39 PM آخر رد: داعية السلام مع الله
	الحياة الزفت .... للمرأة	هاله	10	3,567	10-29-2011, 02:39 AM آخر رد: yasser_x
	عاجل انعقاد دورة في قانون الأحوال الشخصية والأسرية بالدمام	الزمزمd	0	958	04-18-2011, 11:00 AM آخر رد: الزمزمd
	حكمة/حكم ودروس تعلمتموها في مدرسة الحياة	thunder75	16	6,076	10-12-2010, 12:03 PM آخر رد: استشهادي المستقبل