أربعائيات.. الغابة من البحر إلى البحر..!
أحمد الربعي


حادث افتراس جديد في الغابة العربية الممتدة من البحر إلى البحر. الذئاب البشرية تعود من جديد لتفترس رفيق الحريري. وأين.. في وسط بيروت، حيث أزال منها الحريري آثار الحرب وحوّلها إلى مقاهٍ يلتقي بها العشاق، ولم يكن يدري وهو يعمّر وسط بيروت أنه كان يبني له قبراً.. ذئاب من كل لون تجمعها الرغبة في التلذذ بدماء البشر. ذئاب تقتل باسم الدين وباسم القومية وباسم فلسطين. ذئاب تمارس إرهاب الأفراد. وذئاب تمارس إرهاب الدول. غابة ممتدة تقطّع فيها رؤوس البشر بالسكاكين والفؤوس، وتمارس لغة التفخيخ والتفجير والقتل على الهوية. والقتل بلا هوية..!
الناس في الأمم المتحضرة، الناس خارج الغابة، يصحون في الصباح ويحتسون قهوتهم على نشرة أخبار الطقس ليمارسوا الرياضة. وعلى أخبار اكتشافات طبية تعيد الأمل للإنسان بسعادة وبعمر مديد، وأخبار عن الجامعات والمختبرات والمكتشفات. بينما يصحو سكان الغابة العربية على أخبار قتل الشرطة العراقية، وجز رؤوس فلاحين في قرية جزائرية، وتفجير لمجمع سكني في الرياض، وثأر قبلي في اليمن، وثأر آخر في صعيد مصر، وحرب أهلية طويلة في السودان، وأرقام رهيبة عن الأمية والبطالة، وحرمان وجوع. وقانون افتراس يسمح للعربي «الكبير» أن يمارس فحولته وشطارته وشجاعته على العربي «الصغير»..! ومحطات فضائية تتلذذ برائحة الدم ، وتبث الأشرطة المسمومة عن منظمات ذئاب بشرية مشبوهة ، يتم تشجيعها والنفخ فيها. ودول يحتاج فيها الإنسان لاستخدام جهاز الفاكس إلى ختم سلطاني، وترتعد فيها فرائص الإنسان عند استخدام التلفون خوفـاً من أجهزة تتنصت على خلق الله ، وسجناء رأي لا أحد يدري ما مصيرهم. ومشـردون ومهجرون لا أحـد يدري متى يعودون إلى أحضان وطنهم. وأمة كان لديها مؤتـمر سنوي للزراعة، فأصبـح لديها مؤتمر سنوي «للتصحر». وأمة كان لديها خمسون مليون أميّ ، فأصبح نادي الأمية العربي يضم سبعين مليوناً بالتمام والكمال. مرضى لا يجدون العلاج. وأطفال لا يجدون مقعداً في مدرسة.
إنها الأمة العربية الواحدة ، ذات الرسالة الخالدة. أمة الوحدة التي جزأت البلد الواحد. والحرية التي حولت دولاً إلى سجون. والاشتراكية التي أفقرت الغني والفقير بعدالة نادرة..!
رحل الحريري. فصل جديد في مسرحية طويلة عنوانها القتل والتطرف والجنون..! ولا عاصم لكم اليوم أيها السادة إلا بالعودة إلى الصندوق الأسود ، الذي زرعه الله في رؤوسنا. العودة إلى العقل. العودة إلى التسامح. الشجاعة في مواجهة الباطل. والاحتكام إلى صندوق الانتخابات. الغابة تحاصرها الذئاب، والذئاب قوية ، لأن ضحاياها قرروا أن يكونوا ضعفاء بمحض إرادتهم..!

:nocomment:
:97::97::97: