المفروض ان حوادث الانقلاب في بلد كموريطانيا لا يجب ان تشكل حدثا فالعملية اشبه بحروب قبائل الكواسر و الجوارح و ربيعة ، المجتمع الموريطاني و خصوصا العرق العربي الحاكم والمسمى بالبيضان (مع الاعتذار لاهل المشرق لان الكلمة هنا لا تعني ما تعنيه هناك) غارق في القبلية والجميع يعرفون بعضهم كما لو ان الامر يتعلق بساكنة قرية صغيرة و ليس دولة مترامية لكن مدنها لا تتجاوز اصابع اليد كما هو الوضع بموريطانيا .
يعني تناوب على الحكم من بين نفس افراد القبيلة في انتظار انقلاب قادم يعيد احدى العوائل السابقة او ينقل الحكم لمن لم يجرب حلاوته بعد .
في انقلابات موريطانيا لا حديث عن محاكم الثورة او اعدامات لرموز الحكم السابق كما هو العرف في بقية المعمورة بل مجرد رفع بنادق و تحرك قطع من المدرعات خارج الثكنات و اقتحام التلفزيون و القصر الرئاسي يحسم الامر دون نقطة دم واحدة (يمكن لو لعلع رصاص الابتهاج في حفل عرس قريب من القصر الجمهوري فاحتمال ان يفر الرئيس بجلده الى السفارة الفرنسية ) و حتى لو فشل الامر بتدخل خارجي مغربي أساسا بوحدات من جنوب الصحراء او فرق كوماندو الدجيد( الاستخبارات الخارجية ) فالمدبرون لا يعدمون أو يشهروا باتهامات الخيانة بل يقضون شهورا في السجن و غالبا في الثكنات قبل ان يتدخل اعيان القبيلة لاطلاق سراحهم أو ينجح انصارهم في محاولة انقلابية جديدة . ببساطة تدبير انقلاب في موريطانيا اسهل من قلي بيضة ( 15 حركة انقلابية خلال 30 سنة) و تواتر الحديث عن احتمالية انقلاب بعد تعذر حل الازمة قبل اسبوعين دون أن يستنفر الأمر احدا من انصار النظام السابق او يجعلهم يتحسبون للأمر باحباط المؤامرة و تقديم المتواطئين للعدالة كما يتردد غالبا في أغلب دولنا العربية من المحيط الى الخليج .
استمرارية النظام في موريطانيا تتحكم فيها عوامل خارجية اكثر منها داخلية فمجاورة موريطانيا لمنطقة صراع بين الجزائر و المغرب في الصحراء ( المغربية طبعا) تجعلها بين فكي الكماشة الشيء الذي يضطرها الى اللعب على التوازنات في العلاقات مع الجارين و مراضاة المغرب ( البلد الام سابقا ) و حليفته فرنسا ( بلد الاستعمار) و الحال أن البلدان لم يتحركا لانقاذ الشرعية كما هي العادة سابقا و كما كان يحدث مع نظام معاوية فالامر اشارة الى عدم رضا عن اختيارات الرئيس ولد الشيخ ان لم يكونا المحرضان و المخططان خصوصا و أن أغلب القيادات العسكرية الموريطانية و التي حاول ان يقيلها الرئيس السابق تلقت تكوينها بأكاديمية مكناس العسكرية لتكوين الضباط وولاؤهم للمغرب لا يخفى والله اعلم .