استعادة جثمان الشهيد
د.ماهر ياسين : ( كلنا شركاء ) 16/2/2005
كان المشهد أمس مروعا ومخيفا الى درجة كبيرة ,فلمدة ساعة من الزمان وضع اللبنانييون والسوريون ايديهم على قلوبهم وهم يدعوون الى الله ان يكون الرئيس الشهيد رفيق الحريري قد نجا من الجريمة التي ستهدفته و لكن الجريمة نفذت باعلى درجات الاتقان بحيث لا تترك اي مجال لاحتمال نجاة رجل لبنان الأول من المخطط الجهنمي المعد له ولسوريا وللبنان من وراءه .
استطيع الآن أن اتخيل الذهول على وجه القيادات السورية واللبنانية وهي تتلقى خبر وفاة الصديق والحليف والشريك واستطيع ان افكر بسيناريوهات المرحلة القادمة المرعبة التي ومضت في عقولهم وهم يرون حجم الدمار والموت الذي اجتاح بيروت واعتقد ان القلوب ارتعدت في الصدور وهم يراقبون يهود الداخل يحررون جنون التطرف واللاعقلانية من عقاله لينشروا غيمة سوداء كبيرة فوق سماء لبنان وسوريا قد تمطر موتا في أيةلحظة.
لم تنجح معارضة البريستول بشقيها من الوطنيين ومن يهود الداخل من اقناع الراحل الكبير بالانضمام الى صفوفها حتى آخر لحظة من حياته . فالراحل حافظ دوما على مسافة بينه وبينهم فقد كان يخشى دوما تطرف بعضهم وجنونهم وكان يعلم بأن لبعضهم مشاريع و تطلعات تدميرية مبنية على أحقاد طائفية و نفوس مريضة خبرها جيدا زمن الحرب الأهلية و في زمن السلم الأهلي يوم وقفوا ضد مشروع بناء الدولة الذي تبناه رفيق الحريري . هذه المعارضة كانت أمس المستفيدة الأولى من قتل صوت الاعتدال والحكمة الذي كان يلجم جموحهم وجنونهم عبر حليفه وليد جنبلاط , فهي سارعت للمتاجرة بمقتله وتوظيفه لصالح أعداء لبنان وسوريا ونجحت بوضع السلطة السورية واللبنانية بموقع المتهم وهيجت الرأي العام اللبناني والعالمي ضد سوريا وضد الحكومة اللبنانية مطالبة بوقاحة بتدخل دولي لانهاء الاحتلال السوري للبنان كما يدعون .
ان عدم الوعي السوري للتغيير الحاصل على الساحة السياسية العالمية و للتغيير الحاصل في قواعد اللعبة السياسية هو ما أوصلنا الى النقطة التي نتحول فيها من فاعلين في العمل السياسي الى منفعلين ودائما في حالة دفاع عن النفس وتبرير وانكار للتهم التي تساق ضدنا والأخطر من ذلك سحبت المبادرة من ايدينا وأصبحنا عاجزين عن تحقيق اي اختراق للحصار الذي يفرض علينا ويضيق يوما بعد يوم . طبعاليس الآن الوقت لمناسب لجلد الذات بل الوقت الآن لمحاولة الخروج بأقل الخسائر من هذا المستنقع الذي نتخبط فيه .
المطلوب ان لا نسمح لاعداء الحريري بسرقته من الخط الوطني والقومي الذي التزم به طوال حياته و مات من أجله ويجب ان لانسمح للآخرين بوضعنا في خانة المتهم, والمطلوب أيضا مشاركة سورية شعبية ورسمية على أعلى المستويات في تشييع الحريري و تقديم التعازي له ولعائلته وللبيروتيين و لللبنانيين . ان ترك الساحة خالية لأعداء سوريا يسرحون ويمرحون بها يعني خسارة شريحة هامة من حلفاء سورية في لبنان , الشريحة الأكثر تعلقا وارتباطا بسوريا على مدى التاريخ الشريحة التي يفترض ان تشكل الحائط المنيع الذي تستند عليه سوريا لتحمي ظهرها عندما تشتد شراسة الهجمات والمؤامرات عليها