هذا الموقف من اكثر المواقف ألماً و حزناً في حياتي
الموت الحياة دائماً اتعامل معهما بقبول فنحن لا نملك ان لا نفعل فنتقبل نهاية الرحلة ، لكن وقوفي امام وفاة محمود درويش وقوفي امام المعنى و الرمز و الانسان ، كأنه تواً فرغنا من آخر حوار و من آخر فنجان قهوة الذي كان يصر على ان يعده بنفسه ورفضه الحاد ان اعده انا احتراما لمكانته على اعتبار ان هذا جزء من احترامه لضيفه و هواية من هواياته ايضا ، كان ذلك تماماً قبل 12 عاما ، كأننا تواً انتهينا من شربه و من نقاش حول لماذا تركت الحصان وحيداً و التعليق عليه ، في هذه اللحظات الحزينة يحضرني محمود درويش الانسان الشاعر فكلاهما ملتحم في شخصه انه الرجل الاستثنائي في زمن لم يستثني احداً ، الرجل الانسان اللطيف الذكي المنغمس كلياً في مأساة شعبه و عشق امته ، العربي حتى النهاية و العاشق حتى النهاية و المتمرد حتى النهاية ، ماذا اقول غير اننا فقدنا اليوم شاعر امة و علامة في تاريخ الشعر العربي فقدنا اللسان الشعري للثورة الفلسطينية كما فقدنا حكيم الثورة في نفسي العام ، ماذااقول هل يسدل الستار على جيل من مناضلي الثورة الفلسطينية بغض النظر كيف نقيم اليوم اداءهم لكنه الجيل الذي عاشت فيه فلسطين و استطاع ان يعيش فيها ، ايسدل الستار على هذا الجيل ؟ اني كلما حاولت ان اسدله خلفي و انظر على الخارطة و ارى ما يحدث يشدني قلبي هلعاًُ و فزعاً إلى الخلف.
محمود درويش حمل حلم و بلغ فيه عنان السماء بسلاحه و هو شعره و قد زرع فينا الحلم يا هل ترى هل هو اقوى من حجم همومنا و آلامنا و جراحنا و هزائمنا و واقعنا ، ان كل فجر جديد يبدأ بحلم نعم لازال الحلم ممكناً بل لا حياة يا درويش بدونه ، ستعبر سحابة البشاعة التي تهيمن علينا و ستشرق شمس فجر جديد و سيلد الشعب الحياة دوماً لأن الشعب هو المعلم.