بين القرآن والحديث

يؤمن المسلمون ابتداء بأن القرآن وحي الله المنزل على النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ، ويعتقدون به رسالة خاتمة تحوي خلاصة الرسالات السابقة لها، وتحل محلها كمصدر هداية للناس إلى يوم الدين .. هذه الرسالة يجب أن تكون محفوظة من أي تدخل أو تحريف بشري وإلا فإنها ستفقد قيمتها كوحي إلهي خالص وتتحول إلى أخلاط لا يعرف صحيحها من سقيمها وبالتالي تفقد مركزيتها في اعتقاد المسلم ..

هذا الحفظ يتم الاستدلال عليه من القرآن نفسه (إنا نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) ومن التأريخ الذي يثبت حفظ القرآن تلاوة بأسانيد متصلة، وكتابة بجمع المصحف خلال فترة قريبة جدا من نزوله .. وبالرغم من ذلك فإنه قد يحصل أن ترد اختلافات بسبب أخطاء بشرية غير مقصودة أو حتى محاولات دس تخريبية .. ولذلك فإنه تقرر ألا يقبل في القرآن رواية إلا إذا تحقق فيها شرط التواتر الذي يستحيل عليه حصول الخطأ أو الدس ..

بخلاف القرآن الذي كان محور الاهتمام بالحفظ والدراسة فإن الأحاديث النبوية لم تلق نفس الاهتمام من البداية، ولذا فإن احتمال الدس والتزوير فيها وارد، والتواتر في رواية الأحاديث ليس كمثيله في القرآن، حيث أن الأحاديث المتواترة قليلة جدا ..

ولذلك فإنه يمكن تصديق دعاوى عن مدسوسات في الأحاديث النبوية لتوفر الأسباب الموضوعية لذلك، أما القرآن فالعملية ليست بهذه البساطة بحيث نعد كل آية لا تعجبنا مدسوسة .. إن لم يكن هذا من أجل احترام تقديس القرآن لدى المسلمين فليكن من أجل الحقيقة التاريخية التي لن تقبل شيئا دون دليل ..

تفسير القرآن

مشكلة التفسير والفقه هي نفس مشكلة "التحجر الفكري" الذي وصل إليه المسلمون بسبب غلق باب الاجتاد وشيوع التقليد .. إن عملية التفسير هي عملية بشرية تهدف إلى تطبيق النص القرآني إلى الواقع البشري، وبمجرد أن نتوقف عن هذه العملية ونلجأ إلى التقليد فإننا نصبح أسرى تطبيقات تتحدث عن واقع مغاير لواقعنا، إن المفسر والفقيه ليس بالرجل الخارق الذي يرى الماضي والمستقبل وهو يقوم بعملية التفسير، بل هو محصور في الغالب بأفكار مجتمعه وقضاياهم الملحة .. إنه من الصحيح تماما أننا يجب أن نتحرر من أسر التفاسير القديمة لنعيد الرابط المفقود بين النص والواقع ..

نجاح التفسير يقاس بمدى اتساقه أولا مع النصوص القرآنية والإطار العام الذي تطرحه الآيات، ثم بمدى النفع والفائدة التي يقدمها للبشرية .. ولهذا فإن التفسير الذي يتعامل مع الآيات بسطحية (مجرد معاني كلمات ومرادفات) لا يفيدنا بشيء، والتفسير الذي يجمع كل ما قيل في الآية من اخبار وروايات (متناقضة أحيانا كثيرة) يشكل مرجعا للمتخصص لكنه ليس شيئا مفيدا بالنسبة لمؤمن يريد أن يرسم حياته إنطلاقا من القرآن .. من المهم أن نعمل أدوات الربط المنطقي في تفسيرنا لاجل استنتاج المبادئ والقوانين التي تطرحها الآيات..

وإذا كنا نعلم أننا لا نقدر أن نزعم أننا نصل إلى المعنى الدقيق المراد من النص، فإننا نقدر أن نكون متأكدين مما فهمنا بنسب متفاوتة، اعتمادا على الطريقة التي استخدمناها للوصول إلى هذا الفهم، والحكم يكون على صواب وخطأ منهج الفهم، قبل أن يكون على صواب النتيجة التي وصل إليها .. فإذا اطمئننا لمنهجنا فإن فهمنا يكون صحيحا بالنسبة لهذا المنهج ولا نستطيع أن نحكم على الآخرين إلا إذا عرفنا منهجهم وعرفنا فيم نتفق أو نختلف معهم فيه ..

إن ما يهمني في تفسير الاسبرطي هو المنهج الذي اختاره للتفسير، إنه قد يحدث أن نتفق على معنى آية مثلا، لكن سواء اتفقنا أو اختلفنا فليس هذا بالمهم، المهم هو المنهج، إن طريقة تفسير الاسبرطي ليست تعجبني، لكن من المهم أن أوضح لماذا لا تعجبني بالضبط أو أعمل على اكتشاف ذلك إن لم يكن الأمر واضحا بعد .. إن الانطباع الأولي قد يقودني إلى الطريق الخطأ ولن يكون عونا كبيرا لي ..

أقول هذا لنفسي ولغيري، فقد يحدث أن لا استمر في متابعة هذا الموضوع لكن هذه هي الطريقة التي أراها صحيحة .. وفي كل الأحوال نحن مازلنا بحاجة للتفكير العميق، فلم نصل بعد لحل مشكلاتنا وعلينا أن نكون صرحاء جدا مع أنفسنا .. وحتى لو اعتبرنا عمل الزميل الاسبرطي عملا عبثيا فإننا على الأقل يجب ان نقول ما هو العمل الجاد وندفع الحركة باتجاهه .. أما أن نبقى كما نحن فهذا ليس بمفيد

تحياتي