محمود درويش كما عرفته كان من النوع الانطوائى كانسان يفضل السكون والوحدة كان قارئا استثنائيا طوال الوقت كان يقرا تقريبا عن كل شىء فى علم البيلوجيا وفى علم الفلك والسياسة والطب والدين الخ واشياء كثيرة لاتخطر على البال فالبعض لربما يعتقد انه كشاعر سيلاحق طوال الوقت قراءة الادب على العكس لربما كان هذا اقل ما يقراه حسب ما شاهدت كان يغيب عن الناس طويلا وعندما يشعر بالملل من القراءة والاعتكاف يبدا بالاتصال والبحث عن اصدقاءه كان هو من يختار اصدقائه بل وكان من الصعوبة ان تتحول لصديق له بحكم انطوائيته وحذره الاجتماعى لكنه كان يتحدث كثيرا مع اصدقائه عندما يلتقيهم كما لو انه يريد تعويض عزلته التى قضاها فى الايام السابقة

عندما عرفته كنت شابا صغيرا فعلا وكان ذلك بمحض الصدفة لم افرض نفسى عليه بتاتا فقد كنت اقيم فى الشقة المجاورة لمكتبه ( هذا كان لعدة اشهر ) بدات اتطفل بشكل غير مقصود فى الاحتكاك بالصبية التى كانت سكرتيرته وبسليم بركات سكرتير تحرير المجلة وصرت احيانا اجلس ادردش مع سكرتيرته ( نسيت اسمها الان ) وكان يمر محمود درويش ذاهبا او خارجا من مكتبه يقرا اكوام المطبوعات امامه ومع الزمن صرت وجها مالوفا له واخترقت حذره الاجتماعى وصار من الممكن ان اجلس لادردش معه او هو احيانا كان يتسلى باستدعاء هذا الشاب الصغير ( الذى هو انا ) ليدردش معه براحته فهو امام شاب صغير لا مصلحة خاصة له مما يحرره من ضغط وشكليات التواصل الاجتماعى مع الكبار ( طبعا التقيت به فيما بعد عندما اصبحت كبيرا وطبيبا مختصا فى شىء يجذبه ويستمتع فى طرح الاسئلة حوله لكننى ظللت بالنسبة له ذاك الصغير الذى يحاور فى اشياء اكبر من عمره )

ما لفت نظرى فى احد المرات موقفا له معنى فقد كان مكتبه مقابل الروشة وكان هناك سوقا شعبيا وكان بائعى اشرطة الكاسيتات يفتحوا ادوات التسجيل بميكرفونات وبصوت عالى جدا لجذب الزبائن وكان البائع يبث اغتية امى بصوت مرسيل خليفة وهى احد اشهر قصائد درويش فوجئت بطرق شديد على الباب لدى فاذا به درويش يصرخ بى غاضبا كما لو اننى اقترفت جريمة ويطلب منى ان اذهب لذاك الحيوان بائع الكاسيتات ان يتوقف عن بث الاغنية لا اعرف ما الذى كان يزعجه فى سماع قصيدته ؟؟؟

انا فعلا حزين اشعر ان فردا ما من افراد عائلتى قد مات فهو كان بالنسبة لى كان موضوعا شخصيا وليس ذاك الشاعر ولا تلك الهالة العملاقة التى تحيطه , تماما كما شعرت ان ابى قد مات عندما فارقنا ياسر عرفات الذى اتجنب الان حتى ان اذكره لان مجرد تذكره يثير بى الم نفسى شديد