- "صار عمري ثلاثين سنة ولسّة ما أخذت قرار وحدي..!"
- "أكبر منك بيوم أعلم منك بسنة!"

مَن منّا لم يُوجّه إليه هذا المثل في يوم من الأيام حين خالف رأيُه رأيَ من هو أكبر منه سناً؟ أو على الأقل، مَنْ منّا لم يسمع به، وأشباهه من الأمثال: "اللي ما له كبير، يشتريله له كبير"، "اللي ماله كبير ما له تدبير"؟!

يُشكّل العُرف، والمَثَل، وحكايةُ التُّراثِ الكثير من أنماط حياتنا، عادات وتقاليد مجتمعنا بغض النّظر عن منطقية أو موافقة هذه الأعراف للأديان؛ أو حتى مدى صلاحيتها مع سرعة تغيّر الأيام وتبدّلها.
في كثيرٍ من الأحيان، يفرض الكبير سلطته على الأصغر سناً، فتتحوّل مشورة الكبير ونصحه وإرشاده إلى أمرٍ مُلزِمٍ، مخالفته يعني عقوقاً يستلزم الغفران، على اعتبار أن الكبير يفكّر نيابة عن الصغير ويُجيِّر –برأيه- كل مفيدٍ لحسابه، بناءً على خبرته وحكمته التي اكتسبها خلال معارَكَتةِ للأيام والسنوات، وكأن الخبرة والحكمة مُنْتَفية عن الأصغر سناً، وأن خياراته وقراراته لا بد أن تكون غير صائبة إن لم تجلب له ولمحيطه السوء.
لماذا يُشكّل الأكبر سناً "هرماً" أمام الأصغر سناً؛ إن تخطّى سلماً في الهرم يصعب أمامه تخطي السّلم الأعلى: الوالدان، الأخوة وزملاء العمل الأكبر سناً... إلخ إلخ. لماذا يتناسى الوالدان في كثير من الأحيان "إن كبر إبنك خاويه" أو ما رُوي عن المسيح عيسى ابن مريم "ربّوا أولادكم لزمانٍ غير زمانكم"، أو أن ينسى الأخوة وزملاء العمل الأكبر سناً أنهم كانوا صغاراً من قبل؟

كثيراً ما نسمع عن حيواتٍ حُكم عليها بالفشل نتيجة تحكّم الأكبر سناً بخيارات الأصغر سناً، ابتداءً من تخصص الدراسة في المرحلة الثانوية، مروراً بتخصصه الجامعي، وليس انتهاءً باختيار شريك حياته.

من الذي أعطى الكبير حق التحكم بحياة الأصغر سناً، وتقييدها؟ متى يكبر الصّغير وتصبح خياراته نابعةً من قناعاته الشخصية؟ أليست الخبرة في الحياة اكتساباًً شخصياً مثل فرشاة الأسنان استعمالٍ شخصيٍ؟

نقد سلطة الكبير، لا يعني رفض رأيه ومحاربته. الأمر ليس ساحة تحدٍ أو منافسة تحكمها العند من قِبل الأكبر سناً والرفض والمحاربة من الأصغر سناً. بل حلقة متكاملة قائمة على الشورى واحترام قرار الآخر ورغباته ومصالحه بغض النظر عن سلطة العمر وسباق الزمن.

دمتم بود(f)