التواتر المنطقي

طيب، النقد المتقدم يطرح اشكالية، وهي اننا اذا رفضنا طريق الرواية كسبيل لتحصيل المعرفة فان علمنا سيصبح محدود بالاحساس الذاتي للانسان، فمثلاً، انا لم ار اكثر الاحافير التي يدعي علماء الاحافير انهم وجدوها ومع هذا فانا اثق انها موجودة عبر الاخبار منهم، وهكذا الامر بالنسبة لباقي العلوم، فما الذي سيجعلني اتثبت من ادعاءات اسمعها من طبيب او مهندس او فلكي او بايولوجي؟

اذا اردنا الحقيقة فان علماء المنطق وضعو شرطان لمعنى التواتر وللكيفية التي يتوجب على الانسان ان يطبقها لكي يميز الخبر الصحيح من الخبر الكاذب، او بكلام اخر لكي يحصل عنده التواتر بصدق خبر ما من غيره.

والشرط الاول يتعلق بمدى ثقة الراوي وكونه غير مشهور بالكذب وسوق الادعاءات الفارغة لسبب او لاخر، وهذا الشرط تكاد تجده عند كل رواة الحديث والمتخصصين بعلوم الرجال والرواة الجرح والتعديل.

الشرط الثاني وهو المهم جداً هنا هو: انلا يختلف فهم الرواة في حقيقة الخبر.

هذا الشرط هو شرط مركزي وجوهري وفهمه يجعلنا نميز التاريخ الحقيقي من التاريخ المزيف.

تخيل لو ان مجموعة من الناس رأوا رجلاً يحول النحاس الى ذهب، او يطعن نفسه بالسيف ولا يموت او يخرج ارنبا من قبعة فارغة. ان هؤلاء سيروون انهم رأوا رجلاً يفعل ما ذكر سابقاً، وهم في روايتهم هذه غير كاذبين ومخلصين الى ابعد الدرجات في رواية ما حدث.

لكن هل هذا معناه انه بالفعل هناك من حوّل النحاس اى ذهب؟ وهل هذا يجعلنا نصدق ان هناك من فعل كل ما ذكرته سابقاً؟

الجواب هو: لا، لان هؤلاء الرواة لم يفهموا حقيقة ما حصل، فاخراج الارنب من القبعة كان خدعة وهذه الخدعة غابت عنهم فالراوي بعينه رآى ارنب يخرج من القبعة فروى ذلك، لكن هذا حقيقة لم يحصل بل ما حصل هو خدعة سحرية.

فالفرق بين فهم الحادثة على انها خدعة سحرية وليست حقيقة يميز بين الرواية الصحيحة والرواية الغير صحيحة فعلى الاول يحصل التواتر وعلى الثانية لا يحصل التواتر.

مثلاً: يروى ان مئات الناس شاهدوا عودة المسيح من الموت، وهذا قد لايكون خطئاً لانه قد يكون بالفعل حصل هذا، فنحن لن ننكر كل ما يخالف ما نعتقده فقط لانه يخالف ذلك، بل نقول ان هذا قد حصل، لكن هؤلاء المشاهدين لم يفهمو حقيقة ما حصل لهم، فظنو ان ما رأوه هو المسيح بينما قد يكون شيئاً اخر.

فالتاريخ على هذا اشبه بمجموعة من الشظايا، اشبه بقطع لعبة اكمال الصورة، ويتوجب على الباحث ان يحاول اعطاء تفسير للروايات والاحداث ثم يجمعها كلها لتكون الصورة التاريخية العقلانية المطلوبة.

ولابد لكل باحث تاريخي لكيما يفهم الاحداث المروية ان يدرس المجتمع نفسه، ويتعرف من كثب على قيمه وعاداته وحضارته فبهدا يستطيع ان يدرك الدوافع خلف الروايات والمقاصد منها.

...يتبع

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع		الكاتب	الردود	المشاهدات	آخر رد
	سؤال للبحث:هل تتطور الجنس ليصبح كما هو الآن؟!	الاندورفن	2	974	12-18-2010, 06:56 AM آخر رد: الـسـيد عَـمّـلـسٌ