عيون وآذان (يوثق كلامه كأنه في محكمة)
جهاد الخازن الحياة - 23/08/08//

فنسنت بوغليوسي، كما يدل اسمه، ليس أصولياً إسلامياً أو يسارياً عربياً. هو محام أميركي شغل منصب المدعي العام في لوس أنجليس، ومثل الادعاء في 106 قضايا ربح منها 105 قضايا، بينها 21 إدانة في جرائم قتل، وإحدى هذه الجرائم بين الأشهر في تاريخ أميركا، فقد كانت قضية تشارلز مانسون وطائفته التي قتلت الممثلة شارون تيت.
بوغليوسي ألّف عن قضية مانسون الكتاب «هلتر سكلتر» الذي لا يزال يحتل مرتبة أعلى كتب الجريمة مبيعاً في تاريخ أميركا، كما ان له كتابين آخرين وصلا الى رأس قائمة أكثر الكتب مبيعاً التي تصدرها جريدة «نيويورك تايمز».
بوغليوسي (وأنا أكرر الاسم ليحفظه القارئ العربي) صدر له أخيراً كتاب عنوانه «الادعاء على جورج دبليو بوش بتهمة القتل»، أترجم للقارئ السطور الأولى من مقدمته فالمؤلف يقول: الكتاب هذا يتناول ما أعتقد انه أسوأ جريمة ارتكبت في التاريخ الأميركي، فالرئيس جورج دبليو بوش، عن سابق معرفة وتصميم، قاد البلاد الى حرب في العراق على أساس ادعاءات كاذبة، وهي حرب قتلت مئة ألف إنسان، بينهم أربعة آلاف أميركي.
أتوقف هنا لأقول إن الحرب قتلت حوالى مليون عراقي، بحسب تقديرات مجلة «لانست» الطبية البريطانية، وباحثين في جامعة جون هوبكنز، غير ان بوغليوسي محام، وهو يستعمل رقماً كافياً ولا يستطيع الدفاع إنكاره.
صفحات الكتاب كله تعكس تفكير المحامي، لا الأصولي العربي أو اليساري، والمؤلف يستغرب جداً أن يحاكم صدام حسين ويدان في قضية الدجيل مع انه متهم بجرائم أكبر كثيراً على امتداد حكمه. ورأي بوغليوسي ان صدام حسين أعدم بسبب أهون جرائمه، وحيث له دفاع مشروع، فهو تعرض لمحاولة اغتيال في الدجيل في 28/7/1982، واعتقل مئات ومات بعضهم تحت التعذيب، وحوكم آخرون (148 بدءاً من أيار/ مايو 1984)، ولو ان صدام أراد الانتقام لقتل فوراً ألوفاً من أهل القرية التي تضم 37 ألف نسمة غالبيتهم من الشيعة.
المؤلف يوثق كلامه كأنه في محكمة، ويقول إن أسلحة الدمار الشامل هي السبب الوحيد الذي قدمته الإدارة لتبرير الحرب، وقرار الكونغرس في 11/10/2002 الذي فوض الرئيس إعلان الحرب اقتصر على الأمن القومي ولا شيء غيره فقال: «ان الرئيس مفوض ان يستخدم القوات المسلحة للولايات المتحدة، كما يرى ضرورياً ومناسباً، للدفاع عن الأمن القومي للولايات المتحدة في وجه الخطر المستمر الذي يمثله العراق...». ويوم بدء الحرب في 19/3/2003 تحدث الرئيس بوش في تقرير الى الكونغرس عن أسلحة الدمار الشامل في العراق والأمن القومي الاميركي، ولم يذكر إطلاقاً أي سبب آخر.
طبعاً بعد احتلال العراق تبين ان صدام حسين لم يكن يملك أسلحة دمار شامل، وأصبح حديث الإدارة والمحافظين الجدد عن نشر الديموقراطية في الشرق الأوسط. إلا أن المحامي بوغليوسي يقول ان هذا ليس صحيحاً، وانه لو كان صحيحاً لمثّل أيضاً إدانة للرئيس لأنه يعني ان الرئيس بوش كان يكذب عندما زعم ان سبب الحرب أسلحة الدمار الشامل، وكذبته هذه أدت الى موت عشرات الألوف من الناس الأبرياء، وربما أكثر.
ويكمل بوغليوسي مرافعته فيقول إن الرئيس لا يستطيع أن يتذرع بمضي المدة القانونية، لو حوكم في المستقبل، لأن جريمة القتل تحديداً لا تربط بمدة قانونية وإنما تظل مفتوحة، وقد حوكم أوغستو بينوشيه في 2004 عن جرائم قتل في تشيلي تعود الى سنة 1974، أي ان عمرها 31 سنة. كذلك لا يستطيع بوش أن يزعم ان جرائم القتل المتهم بها حدثت إلا انه لم يكن في مسرحها، فبوغليوسي نفسه انتزع إدانة من المحكمة لتشارلز مانسون من دون أن يكون موجوداً عندما قتلت شارون تيت وأربعة آخرون في بيتها سنة 1969، فالقانون يقول إن كل عضو في مؤامرة تؤدي الى قتل مسؤولٌ عن القتل حتى لو لم يشارك فيه شخصياً. كذلك تفويض الكونغرس لا يعفيه من المسؤولية القانونية، فالقانون يعفي في حال السرقة أو الاغتصاب، ولكن لا يتضمن أي إعفاء في حال القتل.
بوغليوسي قال إن الكذب الذي قاد الـى الحـرب كـان متعمـداً، وأكمل به غداً.