«المارق» الكبير وأرباحه
زهير قصيباتي الحياة - 28/08/08//

لن يستطيع الحلف الأطلسي إعلان الحرب على المتمرد الروسي، ولا قصف الكرملين، ولا إرغام «المارق» الكبير على العودة الى «بيت الطاعة» المحمي بـ«القانون الدولي»... ولا مبادلة طلب ميدفيديف إزاحة الرئيس الجورجي، بالدعوة الى تنحي مَن باغت الحلف وأوروبا وأميركا في غفلة من زمن جورج بوش.

البادئ أظلم، وهي شارة الانطلاق في القوقاز، تتردد «فجأة» في زوايا من العالم، كأنها سيناريو مدبر، بموجب نظرية المؤامرة.

من حاَكَه مسألة، من «يرتديه» ويدفع فواتير الحرائق مسألة أخرى. ولكن هل حريق القوقاز مجرد صفعة انتقاماً من فرض الحلف الأطلسي استقلال كوسوفو؟... أم ضربة استباقية لتطويع «أطماع» الغرب على عتبة الكرملين، وفرض شروط مغايرة لشراكة مختلفة مع المقيم الجديد في البيت الأبيض؟

إن استعجال موسكو الرد على صفعة جورجيا باللجوء الى ديبلوماسية النار لكسر ذراعها في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، لا يحتمل تأويل محاولتها استغلال «غفلة» الأميركي المنهمك بالانتخابات، لتعديل خريطة كانت من ثمار انهيار الاتحاد السوفياتي، وبعده جدار برلين. والاستغلال لا يكتسب طاقته القصوى لولا إدراك الكرملين حقيقتين: حاجة أوروبا الى إمدادات الطاقة من روسيا، ومعرفة الحلف الأطلسي بعواقب الاستجابة لسياسة حافة الهاوية التي أهداها بوتين لخلفه ميدفيديف، «أمانة».

مأزق الحلف أنه تبلغ الرسالة الروسية وفهمها، وهو يعرف أن رقعة الصراع إذا توسعت ستفاقم إحراجه، فيما تجريب العضلات مع موسكو ولو بالوكالة أسقِط من استراتيجيات «الأطلسي»، منذ طويت صفحة الحرب الباردة. مأزق الحلف الذي ما زال متردداً في إلحاق جورجيا بعضويته، أنها بعد «درس التأديب» الروسي، ستلح في اندفاعها الى إبقاء نار الثأر متقدة، وأن الحرب المكشوفة مع «المارق» الكبير الذي تعتبره فرنسا «خارجاً على القانون الدولي»، ليست سوى حرب عالمية... ممنوعة بالثمن الرادع.

في الأصل كان التحريض أميركياً، من «مخلفات» المحافظين الجدد. وإن كان هناك من يرى في أوروبا أن الثنائي ميدفيديف - بوتين اختار تجريب نهجهم لرد الصاع صاعين، فالأكيد أن معظم الأوروبيين لا يكنّ لإدارة الرئيس جورج بوش مودة الحليف: تركوا له التفرد باحتلال العراق أولاً، ورّطهم في حرب أفغانستان... قاوموا وما زالوا تهديد القوة لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي، فإذا بالورطة الجديدة تأتيهم من الجناح الشرقي للقارة، مع «شريك» قادر على استخدام الربع المعطل في مجلس الأمن.

وإذا كان بليغاً التحذير الألماني ممن «يلعب بالنار بخفة، على كل الجهات»، والتحذير الإيطالي من «بلقنة القوقاز»، فالحال أن إلحاق الكرملين بـ «المارقين» الخارجين على «القانون الدولي»، يشجع «فريق المارقين» الذين صنّفتهم واشنطن في فيلق الأعداء، على تحريض الكرملين... طلباً لمزيد من التحدي.

تجمّد كوريا الشمالية تفكيك منشآتها النووية، بحجة تنظيف سمعتها على اللائحة الأميركية للدول الراعية للإرهاب. لا تترك طهران الفرصة، ذراع «الحرس الثوري» تستنهض «العالم الشيعي» في المنطقة استعداداً لـ «صفعة» توجه الى إسرائيل، إذا حاولت المسّ بإيران. قبلها، لم يكن نبأ ساراً للأوروبيين والمنطقة، أن يصوّت خامنئي مبكراً، ممدداً ولاية نجاد الذي لا يتخلى عن الشعار الأول لعهده «محو إسرائيل من الخريطة».

«المارقون» تجمعهم مصالح المناكفة المكلفة مع الأميركي الذي لطالما ارتابوا من جشعه، ونياته المبطنة. الأوروبي يدفع الآن ثمن طيش إدارة بوش، والمقلق له عجزه أمام «تمرد» الكرملين، فيما فاتورة التراضي لإعادة شيء من كبريائه مجهولة.

أما في الشرق الأوسط والخليج، فما كان صعباً التعايش معه في مرحلة رسم الأدوار الإقليمية بين القوى «الصاعدة»، قد يصبح أكثر مرارة، وحتمياً بالأمر الواقع.