عزيزي / Awarfi :97:

شكرا علي التوضيح الذي تفضلت به , والآن إلي القصة
حسب ما فهمت من شريط آخر أن القصة وقعت حقيقة
إذا قسمنا القصة يمكن أن نقسمها لقطعتين الأولي من البداية وحتي بداية حديث المرأة والقطعة الثانية من بداية الحديث مع المرأة حتي النهاية
الجزء الثاني هو ما حدث فعلا أما الجزء الأول فهو مجرد تقديم للجزء الثاني
إذا نظرنا إلي الجزء الأول

(أوقفت سيارتي ، بمسحة من صعوبة . ترجلت بين السرعة و التعب . أغلقت الباب ، دافعا اياه بمؤخرتي . كان محل ذبح الطيور قريبا . جل ما أردته فرختان . سرت الى باب المحل ، توقفت شاردا ،انظر الى الفراخ المكدسة في صنادل خشبية ، بالكاد ، تسمح لها بالتنفس ، و الوقت ظهرا ، من شهر حزيران / يونيو الحار ، في احدى ضواحي عاصمة عربية !
المحل صغير . هو عبارة عن غرفة معتمة ، هي ليست بغرفة ، بل مكعب فراغ ، لا يزيد عن مترين بمترين . كانت هناك امراة في الثلاثينات من عمرها ، منهمكة في تنظيف بضع فراخ مذبوحة داخل آلة لتنظيفها من الريش . ألقيت التحية ، ردت المرأة بمثلها .
قلت ببعض الضيق ، بسبب الحر ، و التعب )

كل هذا الجزء لا يشي بشئ مما سوف يرد في الجزء الثاني , ما فائدة كل تلك الجمل والصور التي أوردتها في هذا الحزء لكي تبني لنا الجزء الثاني خذ مثلا ( بمسحة من صعوبة ) ( ترجلت بين السرعة والتعب ) ( أغلقت الباب دافعا إياه بمؤخرتي )( توقفت شاردا ) ( بالكاد تسمح لها بالتنفس ) ( هو عبارة عن غرفة معتمة , هي ليست بغرفة بل مكعب فراغ )
ما الذي أفادته هذه الجمل التعبيرية في نمو الحدث و تقدمه صوب لغز تريد أن تقدمه لنا ربما كان الوصف ( مكعب فراغ ) ينهض وحده لكي يقدم لنا اللغز المزمع تقديمه
هذا من ناحية و من ناحية أخري فإن الجزء الثاني مباشر جدا وأنت واقع هنا فيما حدث حقيقة وكان يجب أن تحتفظ بهذا الحقيقي لنفسك ككاتب و تبرز لنا الفني , مثلا أنت تتحدث عن ( التابو ) المفروض علي المرأة في المذهب العلوي في مسألة الذبح والسؤال هنا من الذي يفرض هذا ( التابو ) وبأية سلطة , ما هي القداسة التي تتسلط علي عملية الذبح لكي لا تزاولها المرأة ويزاولها الرجل فقط وهل لو ذبحت المرأة يؤكل ما تذبحه أم يحوطه الدنس ؟ هذا ما تريد أن تستعرضه , أليس كذلك ؟ حسنا .. عندما نقول ذلك بطريقة مباشرة نخرج من الفن إلي التقرير , فماذا نفعل ؟ الحل بسيط .. نلجأ إلي تقنيات فنية , مثلا لنأخذ الرمز , ماذا لو جعلنا المرأة لا تصرح بالمشكلة ولكن نلف حولها لنجعل المرأة مثلا تخشي من تلوبث ملابسها بالدم جراء الذبح فهي هنا تخشي من الوقوع في ( التابو ) بالرمز عنه بخوفها من تلويث ملابسها بالدم وفي النهاية نكتشف بطريق غي مباشرة أنها علي هذا المذهب بأن يهمس أحدهم للرجل بمشكلتها مثلا وبالتالي يكون الرمز هنا حيلة فنية تخفي بها المرأة مشكلتها ويمكن أن نربطه بالطمث مثلا الذي تعاني منه المرأة ولا تستطيع معه تأدية الطقوس الدينية وهذا يرجع لتحويرات الكاتب
حل آخر أن يكون الزوج غائب لأمد طويل ولما تيأس المرأة من عودته ولا تجد حلا إلا أن تباشر هي مهام عمله في محله لكي تعول أولادها تكسر هذا ( التابو ) غير المفهوم مصدره وقداسته لها وتتحدي مجتمعها ونبني القصة هكذا , المرأة سادرة في كسر هذا التحريم وفجأة يظهر الزوج عائدا من غيابه الطويل ويري المشهد وتحدث المواجهة بين الزوج / الرجل الموكل إليه حفظ ذلك التحريم وبين الزوجة / المرأة الخارجة علي هذا ( التابو )
توجد حلول كثيرة للخروج من مأزق الحقيقي والمباشر إلي الفني وغير المباشر , وهذا يرجع لابتكارات الكاتب ولكنك بنيت القصة علي استسلام المرأة للتحريم وإيمانها بهذا التحريم وتعجبها ممن يحاول أن يجد مخرجا منه
القصة أو فلنقل الواقعة الحقيقية يمكن أن نستثمرها فنيا لكي نخرج منها بالكثير

نعود إلي الجزء الأول لكي أعطيك مثالا لما أقصده من أهمية الاقتصاد في العبارة والتعبير معا وهو مثال مدرسي .
في قصة تشيكوف ( السيدة صاحبة الكلب ) نقرأ هذه الجلة الافتتاحية ( قيل إن وجها جديدا قد شوهد علي المرسي , سيدة ومعها كلب ) يعلق أحد النقاد علي هذه الجملة قائلا ( إن كمية المعلومات التي تخبرنا بها هذه الجماة الموجزة خير دليل علي قدرة الاختزال والتضمين علي أسر عالم بأكمله في قبضة حفنة من الكلمات إننا نعرف ضمنيا أن المشهد يدور في الميناء وأن هذا الميناء يقع في مدينة ساحلية صغيرة لأن السيدات لا يسرن بكلابهن علي أرصفة الموانئ التجارية الكبري , وأن الجو رخي والفصل معتدل وربما كان الوقت صيفا أو خريفا , ونعرف أيضا أن هذه المدينة الصغيرة هادئة لا يزورها كثير من الغرباء , لأن الواحد لا يلحظ الوجوه الجديدة في مدينة كبيرة مزدحمة كبرايتون . وعلاوة علي ذلك فإن تعبير ( قيل أن ) يوحي أن هناك بعض الثرثرة والقيل والقال قد تداولت في جو هادئ في هذه المدينة الغافية ونعرف أيضا أن شخصا قد استيقظ من ملل حياته ورتابتها علي هذا القيل والقال وأننا سنعرف الكثير عنه .. أقول عنه لأن من الطبيعي أن يكون الشخص الذي يهتم بالثرثرة عن النساء رجلا )
تعال إلي الجزء الأول عندك إننا نحس أن يطلك غريب عن المكان لأنه لا يعرف التقاليد المرعية ولكننا نحس في نهاية القصة أنه مقيم فقد مضي ليشتري لزوجته بيضا للغداء , كان يجب أن يتوجس من رفض المرأة للذبح أنه أمام مذهب يحرم علي المرأة ممارسة هذا الفعل وبالتالي يدخر هذا النقاش الكثير معها أو يديره بطريقة العارف ويبدأ بطرح حجاج معها بطريقة سقراطية ( التهكم والتوليد )

أرجو أن أكون قد أوضحت لك عزيزي قصدي

كوكو